مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[معنى قوله تعالى: {رب العرش العظيم 129} و {رب العرش الكريم 116}]

صفحة 254 - الجزء 1

  بنفسه، ولا يزيد بشيء مما خلق في ملكه.

  فإن قال قائل: فما معنى قوله: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}⁣[هود: ٧]؟

  قلنا له: إن إحاطته بجميع الأشياء هي العرش العالي فوق جميع الأشياء، وذلك العرش العالي فوق جميع الأشياء فهو الله العالي على جميع الأشياء، فالله ø هو المحيط بجميع الأشياء بعرشه يريد أنه المحيط بجميع الأشياء بملكه، أي: أنه علا فوق جميع الأشياء بنفسه، ليس ثم عرش ولا ملك غيره.

  ومعنى قوله: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}⁣[هود: ٧]، يريد: أنه كان المحيط بالماء من قبل خلقه للأرض والسماء، فذلك العرش المحيط بالماء لم يتغير عن حاله ولم يزل هو المحيط بالماء، والمحيط من بعد الماء بالأرض والسماء، فذلك العرش إنما هو مقام الله، ولا يجوز لنا أن نقول: هو مجلس الله، ولكنا نقول: هو مقام الله تعالى، وليس كمقام الانتصاب إنما ذلك كمال الله بنفسه، فهو الجليل الكامل بنفسه، العظيم الجبار، ذو الشرف والبهاء والسناء العظيم، فهذا معنى قول الله ø: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}⁣[هود: ٧]، يخبر أنها لم تكن أرض ولا سماء سوى الماء.

  ونحن نقول: إنه قد كان عرش الله ولا ماء، ونقول إن عرش الله لم يزل، وإن أسماء الله لم تزل، وإن صفات الله ومدائحه كلها لم تزل؛ لأن الله يقول في كتابه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ٥}⁣[طه]، ولا يجوز لنا أن نقول: إنه لم يكن مستوياً على عرش ثم استوى إذاً لقلنا بخلاف قوله ø، بل نقول: إن الله لم يزل ذا عرش عظيم، يريد بذلك العرش العظيم الله العظيم.

  وقلنا له: ليس ثم عرش لله ø، وإنما ذكر العرش فعرفنا به الملك، ولم يصفه بصفة معلومة معروفة، وأما قوله في يوم القيامة: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ٤٠}⁣[النازعات]، فكذلك المقام هو ذلك العرش، وذلك العرش هو الله العلي، لا شيء استعلى إنما هو العلي بنفسه.

  تم والحمد لله حق حمده، وصلواته على سيدنا محمد وآله