مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

كتاب الرد على المجبرة القدرية

صفحة 257 - الجزء 1

  عنده كذلك، تكريماً منه لهم، وتعظيماً لما به خصهم من ولادة المصطفى، محمد خير الأنبياء، {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ٤٢}⁣[الأنفال].

  ثم نقول من بعد الحمد لله والثناء عليه والصلاة على محمد ÷: أما بعد، فإن القدرية المجبرة الغاوية الضالة المضلة، زعمت أنها إنما أتيت في ارتكاب سيئاتها وفعل كبائر عصيانها من ربها لا من أنفسها، تبارك ربنا عن ذلك وتعالى علواً كبيراً، ثم قالوا: إنه سبحانه أدخلها بقضائه عليها في كبائر ذنوبها، جبرها على ذلك جبراً، وأدخلها فيه قسراً؛ ليعذبها على قضائه إشقاء منه لها بذلك، تعالى ربنا أن يكون كذلك، [ولعنة الله على أولئك⁣(⁣١)].

  فرأينا عندما قالت وذكرت وبه على الله من عظيم القول اجترأت، أن نضع كتاباً نذكر فيه بعض ما ذكر الله في منزل الفرقان مما نزله على محمد خاتم النبيين في الكتاب من إكذاب القدرية المجبرين، فكان أول ما نقول له من ذلك ونسألهم عنه، أن نقول لهم: خبرنا عن قول الله تبارك وتعالى فيما حكى عن الفاسقين الظلمة المنافقين، الفجرة المتخلفين عن الجهاد مع رسول الله رب العالمين: {وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ٤٢}⁣[التوبة]، فقلنا للقدرية: أتزعمون أنهم حين تخلفوا عن رسول الله ÷ كانوا مستطيعين للخروج معه أو غير مستطيعين له؟

  فإن قالوا: إنهم كانوا مستطيعين له، وإنهم تركوه عنوة واجتراء على ذي الجلال والطول، واطّراحاً لقول الله وقول رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - تركوا قولهم الذي كانوا يقولون به: من أنه لا يستطيع أحد فعل شيء حتى يقضي الله عليه به، ويدخله الله سبحانه فيه.


(١) ما بين المعقوفين ساقط من (ب، ج، هـ).