مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

كتاب الرد على المجبرة القدرية

صفحة 258 - الجزء 1

  وإن قالوا: إن المتخلفين عن الخروج مع الرسول لم يكونوا [بمستطيعين⁣(⁣١)] للخروج معه، وإنهم كانوا غير مستطيعين الجهاد - فقد قالوا كما قال المتخلفون، وصدقوا قول المنافقين، وأكذبوا قول رب العالمين؛ لأن الله سبحانه قد أكذبهم، وشهد بخلاف ما قالوا من قولهم حين يقول: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ⁣(⁣٢) إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ٤٢}⁣[التوبة]، قالت المجبرة: هم صادقون لا يستطيعون ولو استطاعوا لخرجوا، وقال الله سبحانه: هم كاذبون⁣(⁣٣) فيما يقولون، وشهد أنهم للخروج مستطيعون، وأنهم لو أرادوا الخروج لخرجوا، ولذلك أكذبهم الله في قولهم؛ لأن الله تبارك وتعالى لا يكذب صادقاً، ولا يصدق كاذباً.

  ثم قلنا لهم: أخبرونا عن قول الله تبارك وتعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}⁣[التغابن: ١٦]، أليس إنما أمر العباد أن يتقوا الله ما استطاعوا؟ فإذا قالوا: نعم، قيل لهم: فإن رجلاً لم يصلِّ ولم يصم من شهر رمضان إلا يوماً واحداً أو ركعة واحدة في كل يوم وليلة هل كان يستطيع غير ذلك؟

  فإن قالوا: نعم. تركوا قولهم.

  وإن قالوا: لا يستطيع. قيل لهم: أفتأمرونه بالصلاة والصيام وهو لا يستطيع ذلك.

  فإن قالوا: لا نأمره بشيء من ذلك. فقد أجازوا له ترك الصلاة والصيام.

  وإن قالوا: بل نأمره وإن كان غير مستطيع. خالفوا القول وردوا كتاب الله؛ لأن الله يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} ويقول: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}⁣[البقرة: ٢٨٦]، ويقول: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}⁣[الطلاق: ٧]،


(١) في (ب، ج): يستطيعون. وفي (د، هـ): مستطيعين.

(٢) في بعض النسخ: والله يشهد إنهم لكاذبون، وهي الآية (١٠٧) من سورة التوبة وهي في سياق قصة مسجد الضرار. وما أثبتناه هو الصحيح وهو من نخ (أ).

(٣) في (د): الكاذبون.