كتاب الرد على المجبرة القدرية
  وإن قالوا: إن المتخلفين عن الخروج مع الرسول لم يكونوا [بمستطيعين(١)] للخروج معه، وإنهم كانوا غير مستطيعين الجهاد - فقد قالوا كما قال المتخلفون، وصدقوا قول المنافقين، وأكذبوا قول رب العالمين؛ لأن الله سبحانه قد أكذبهم، وشهد بخلاف ما قالوا من قولهم حين يقول: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ(٢) إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ٤٢}[التوبة]، قالت المجبرة: هم صادقون لا يستطيعون ولو استطاعوا لخرجوا، وقال الله سبحانه: هم كاذبون(٣) فيما يقولون، وشهد أنهم للخروج مستطيعون، وأنهم لو أرادوا الخروج لخرجوا، ولذلك أكذبهم الله في قولهم؛ لأن الله تبارك وتعالى لا يكذب صادقاً، ولا يصدق كاذباً.
  ثم قلنا لهم: أخبرونا عن قول الله تبارك وتعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن: ١٦]، أليس إنما أمر العباد أن يتقوا الله ما استطاعوا؟ فإذا قالوا: نعم، قيل لهم: فإن رجلاً لم يصلِّ ولم يصم من شهر رمضان إلا يوماً واحداً أو ركعة واحدة في كل يوم وليلة هل كان يستطيع غير ذلك؟
  فإن قالوا: نعم. تركوا قولهم.
  وإن قالوا: لا يستطيع. قيل لهم: أفتأمرونه بالصلاة والصيام وهو لا يستطيع ذلك.
  فإن قالوا: لا نأمره بشيء من ذلك. فقد أجازوا له ترك الصلاة والصيام.
  وإن قالوا: بل نأمره وإن كان غير مستطيع. خالفوا القول وردوا كتاب الله؛ لأن الله يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} ويقول: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة: ٢٨٦]، ويقول: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}[الطلاق: ٧]،
(١) في (ب، ج): يستطيعون. وفي (د، هـ): مستطيعين.
(٢) في بعض النسخ: والله يشهد إنهم لكاذبون، وهي الآية (١٠٧) من سورة التوبة وهي في سياق قصة مسجد الضرار. وما أثبتناه هو الصحيح وهو من نخ (أ).
(٣) في (د): الكاذبون.