كتاب الرد على المجبرة القدرية
  فقد كلفتموه ما لم يؤته ربه.
  ثم يقال لهم: أرأيتم إنساناً جلداً قوياً صحيحاً قال: لست أقدر على أن أصوم من شهر رمضان أكثر من(١) عشرة أيام، ماذا كنتم تقولون له؟ وكذلك إن قال: لست أقدر على الصلاة؟
  فإن قالوا: نأمره بالصلاة والصوم ونقول له: أنت مطيق لذلك؛ تركوا قولهم؛ لأنه يقول لهم: إنما أمرني الله أن أعبده ما استطعت ولست أستطيع غير هذا، وأنتم تأمرونني أن أتعبد لربي بما لا أستطيع وأعبده بما لا أطيق، فأيكم أولى أن أقبل قوله أنتم أو ربي؟! لأن ربي لم يكلفني إلا ما أستطيع وأنتم تكلفوني ما لا أستطيع.
  وإن قالوا له: لا تصم ولا تصل؛ لأنك لا تستطيع كما قلت، ولو نزل عليك من الله الاستطاعة لفعلت - كانوا قد أباحوا للعباد ترك الصيام والصلاة، وهذا كفر بالله وشرك.
  ويقال(٢) لهم: أخبرونا عن قول الله تبارك وتعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران: ٩٧]، ما هو السبيل عندكم؟
  فإن قالوا: هو أمان الطريق، وإمكان الزاد والراحلة، وصحة البدن.
  قيل لهم: أفرأيتم رجلاً كثير المال كثير الإبل صحيح البدن آمن الطريق، جلس ولم يحج وقال: لم يقض لي بالحج، ماذا تقولون له؟ أتقولون: إن فرض الله قد لزمه أو لم يلزمه؟
  فإن قالوا: قد لزمه وعليه أن يحج - تركوا قولهم.
  وإن قالوا: لا يمكنه الحج حتى يقضى عليه به - ردوا كتاب الله ونقضوا قوله، وخالفوا كل الأمة.
(١) في (ب، هـ): بدل أكثر من: غير.
(٢) في (ب، هـ): ثم يقال.