كتاب الرد على المجبرة القدرية
  الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ ٣١}[سبأ]، ولو كانوا أُتُوا من قبل الله لقالوا: لولا الله لكنا مؤمنين، ولكن ذلك اليوم يوم لا يقال فيه إلا الحق(١)، ولا ينفع فيه إلا الصدق، فماذا تقول القدرية المجبرة: أهو كما ذكر الله عمن يقول ذلك، أم لا؟
  فإن قالوا: بل هم كاذبون وإنما أتوا من قِبَل الله لا من قبل المشركين من إخوانهم المجرمين - فقد قالوا باطلاً وزوراً، وقد أكذبهم المستكبرون في قولهم؛ لأنهم يزعمون أن المستضعفين من قبل الله أُتُوا وصُدُّوا، وقد قال المستكبرون للمستضعفين في ذلك اليوم وفي ذلك الموقف مجيبين، وكلتا الفرقتين المستضعفين والمستكبرين لم يقولوا كما(٢) قالت القدرية، بل كلتاهما برأت الله من ذلك، سبحانه وجل جلاله، ولم تقولا فيه بقول القدرية.
  ومما يُسألون عنه قول الله سبحانه: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}[الصف: ٥]، والإزاغة منه هاهنا: فهي الخذلان لهم والتبري منهم، فلما تبرأ منهم وعدموا التوفيق وفقدوا الترشيد زاغوا وتزايدوا في الردى والزيغ عن الهدى، أفتقولون: إن الله ø ابتدأهم بالزيغ كما تذكرون؟ أم بقول الله وما ذكر عن نفسه تقولون؟
  فإن قالوا: بل هو ابتدأهم بالإزاغة قبل زيغهم، وقضى به(٣) عليهم وأدخلهم فيه - كفروا بإكذابهم قول ربهم؛ لأنه يقول: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} والقدرية تقول: بل الله سبحانه بالزيغ ابتدأهم.
  وإن قالوا: إن الإزاغة من الله عقوبة منه لهم على زيغهم عن الهدى، وتركهم ما أمروا به من التقوى - قالوا بالحق وتعلقوا بالصدق، وشهدوا لله بما شهد
(١) في (أ، ب): بالحق.
(٢) في (أ، د): بما.
(٣) في (ب، هـ): وقضاه.