[مزاعم المجبرة]
  سألت يا بني أرشدك الله ووفقك، وسددك للفهم وعلمك، عما اختلف فيه الناس، وكثر فيه عند أهل الجهالة الالتباس، حتى نسبوا الله فيه إلى أقبح الصفات، وبرأوا أنفسهم من ذلك وصانوها بزعمهم عنه واستقبحوه، وبلغوا أشد ما يكون من الغضب على من نسبهم إلى شيء منه، ورضوا به في العزيز ودعوه به.
  فزعموا أن الله شاء شيئاً ونهى عنه، وأراد شيئاً ومنع منه، وأنه أرسل رسله إلى جميع خلقه يدعوهم إلى أمر قد منعهم منه، وذكروا من هذا شيئاً وضروباً يكثر شرحها، وأنا مُبَيِّن لك جميع ذلك وشارحه في مواضعه، ومحتج لله سبحانه بالبراءة مما نسبوه(١) إليه وسموه به - يا بني -، حتى يصح لك فساد أمرهم، وقبيح لفظهم بما فيه المنفعة والشفاء والبرهان، والاكتفاء من كتاب الله الفصيح وبما يصح عند كل ذي لب صحيح.
[مزاعم المجبرة]
  زعم أهل الجهل أن الله سبحانه يضل من يشاء ويهدي من يشاء، فكذلك الله ø، وتأولوا ذلك بجهلهم على أقبح التأويل وأسمج المعاني، ولم يعلموا ما أراد الله سبحانه من ذلك، ولو ميزوا ما قبل هذه الآيات وما بعدها لتبين لهم الحق ووضح.
  [١] - فأما ما قال الله سبحانه مخبراً عن قدرته: {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}[النحل: ٩٣]، ولم يقل: أضللت ولا هديت في هذا الموضع؛ لأنه ذكر الضلال والتثبيت منه في موضع آخر، فانظر كيف ذكر ذلك، وكيف قال عن(٢) فعله فقال سبحانه: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ٢٧}[إبراهيم]، كل هذا
(١) في (ب، هـ): نسبوا.
(٢) في (ب، هـ): وكيف قاله بمن.