مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[مزاعم المجبرة]

صفحة 288 - الجزء 1

  التثبيت والضلال لم يكن إلا مادة وزيادة للمؤمنين، وحرباً ونقمة للظالمين، ألا ترى كيف يقول: {الَّذِينَ آمَنُوا} ولم يقل: الذين ظلموا، غير أنه لم يثبت إلا المؤمنين والمستحقين اسم الإيمان بعملهم، ولم يضل إلا الظالمين⁣(⁣١) المستوجبين اسم الضلال بفعلهم.

  ويخبر سبحانه عن قدرته في خلقه، وأنه أراد هُدَى المؤمنين وثبتهم، وأنه لا يغلبه شيء من جميع الأشياء إذا أراده من جهة الجبر والقسر لأهله، لكن الله سبحانه أخبر عن قدرته في خلقه، وأنه لو أراد أن يضلهم أو يهديهم جميعاً لكان ذلك غير غالب له، غير أنه لم يرد ذلك إلا من جهة التخيير منهم والاختيار لعبادته والرغبة فيما رغبهم فيه والوقوف عما حذرهم منه، وليخبر الجهال أن ما كان من العباد من الضلال والعمى لو أراد أن لا يكون لأمكنه ذلك، وأن قدرته تبلغ كل شيء.

  وإنما قوله: {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}⁣[النحل: ٩٣]، خبراً عن نفسه وإثباتاً له القدرة على كل⁣(⁣٢) شيء، لكي لا يظن جاهل أن الله عاجز عن أن يمنع الضُّلَّال من الضلالة؛ لأن في الناس متجاهلين كثيراً، ألا ترى إلى قوله سبحانه يحكي عن الجهال إذ قالوا: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ}⁣[آل عمران: ١٨١]، فأراد سبحانه أن يثبت الحجة لنفسه على الجهال الذين يقولون مثل هذه المقالة فيه.

  [٢] - واحتجوا أيضاً بقول الله سبحانه: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}⁣[يونس: ١٠٠]، فصدق الله ø، لولا أنه أذن [لهم⁣(⁣٣)] بالإيمان وخلى بينهم وبينه ما عرفوه ولا دلهم عليه ولا أمرهم به، ولا أرسل إليهم المرسلين حتى بينوا لهم فضله وشريف منزلته، فأي إذن أكبر أو فعل أخطر مما


(١) في (هـ): الضالين، وكذلك في هامش (ب) مظنناً.

(٢) لفظ (كل) ساقط من (ب، هـ).

(٣) زيادة من (ب، هـ).