[مزاعم المجبرة]
  فعل الله بهم، ألا ترى إلى قوله: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ}[الزمر: ٥٤].
  [٣] - واحتجوا أيضاً بقوله ø ذكره: {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ٣٣}[يونس]، فصدق الله العظيم لقد علم منهم أنهم لا يؤمنون اختياراً منهم ومحبة للفسق ولو أنهم كانوا عنده مطيعين - لا(١) مستحقين للفسق - ما سماهم به، وإنما حقت كلمته عليهم بعد فسقهم وصدهم عن أمره ونهيه، وبعد الكفر منهم لا الابتداء منه لهم، ألا ترى إلى قوله: {حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا} ولم يقل سبحانه: على الذين آمنوا(٢)، ولا: على المسلمين، وإنما معنى: {حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا} أي: وجب عليهم حكمه ووعيده، وقوله: {أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ٣٣} اختياراً منهم للكفر ومحبة له، وانه قد حكم عليهم بالفسق لما فسقوا وخالفوا عن أمره ونهيه.
  وأما قوله: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}[البقرة: ٢٠٨]، يعني بـ «كافة»: جميعاً، فإذا كان أمره للجميع فكيف يدخل قوم في السلم قد أدخلهم فيه؟ وكيف يأمر قوماً بالدخول فيه وقد منعهم؟ هذا فعل متلعب عباث، لا ينفذ له أمر في شيء مما يأمر به، ولا مما يريده، فتعالى الله عن ذلك أحكم الحاكمين.
  [٤] - ثم احتجوا بقوله سبحانه: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ٢٣}[الجاثية]، وجهلوا ما قبل ذلك من قوله: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ}[الجاثية: ٢٣]، فصدق الله ø لم يضله حتى اتخذ إلهه هواه وعبده من دون الله، وعلم ذلك منه ومن فعله، فأضله الله بعدما فعل وبعد ما كان منه، ولعلمه أنه لا يؤمن ولا يدع ما هو عليه من الكفر، فهذا معنى علم الله به، لم
(١) في (ب، هـ): بل.
(٢) في (ب، هـ): المؤمنين.