مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[مزاعم المجبرة]

صفحة 290 - الجزء 1

  يدخله العلم في شيء، ولم يحل بينه وبين شيء، وإنما هو أخبر⁣(⁣١) بإضلاله له، والإضلال من الله إنما هو في إهماله وترك تسديده توفيقه للخير، ألا ترى كيف يقول سبحانه في موضع آخر: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ٦}⁣[البقرة]، وذلك لعلمه سبحانه أنه قد استحوذ عليهم إبليس وأحبوا ما هم فيه من الكفر والضلال حتى لم يلتفتوا إلى شيء مما يوعظون به، ولا تعمل فيهم الموعظة، ولا يتدبرون ما هم عليه من الكفر الذي قد دخل في قلوبهم، فسواء أنذرتهم أم لم تنذرهم، أو وعظتهم أم لم تعظهم لا يؤمنون أي: لا يصدقون⁣(⁣٢) بشيء مما تدعوهم إليه ولا يخافون مما تخوفهم منه، قد أعمت⁣(⁣٣) حلاوة الكفر أبصارهم، وأصمَّت أسماعهم، وختمت على قلوبهم حتى منعت حلاوة الموعظة أن تصل [إليهم⁣(⁣٤)] أو تدخل في قلوبهم، أو يلتفتون إلى شيء مما يعظهم به محمد ÷.

  [٥] - واحتجوا أيضاً بقوله: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا}⁣[الحديد: ٢٢]، وتأولوا في ذلك بأقبح التأويل، ولم يتدبروا الآية فيصح لهم فساد تأويلهم، وزعموا أن المصيبة هي الكفر وغيره من أعمال الإثم، وليس ذلك كذلك؛ لأن آخر الآية يدل على غير ما تأولوا وقالوا، وإنما أراد بقوله سبحانه: ما أصاب الناس في الأرض من مصيبة ولا أصابتكم في أنفسكم إلا وقد علم الله ذلك من قبل أن يبرأ النفس وهو خلقها برؤها⁣(⁣٥)، فعنى⁣(⁣٦) ما في الدنيا من الآفات التي تقع في الأموال والثمار


(١) وإنما هو أخبر: في (ب، هـ): وإنما هذا خبر.

(٢) في (هـ): لا يؤمنون ولا يصدقون.

(٣) في (ب، هـ): أغشت.

(٤) زيادة من (ب، هـ).

(٥) هكذا في الأصول، ولعلها بالتقديم والتأخير، أي: وبرؤها هو خلقها.

(٦) في (ط): فمعنى.