[مزاعم المجبرة]
  وغيرها من المصيبات التي يكثر شرحها ولم يرد بذلك سبحانه الإيمان والكفر والعصيان، ولو أراد سبحانه ما تأوله الجاهلون من الجبر على الإيمان والكفر ما قال: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ١٥٥}[البقرة]، وكيف يكون كافراً وفاسقاً من كان محسناً صابراً، ومبشراً بالخير؟ ألا ترى إلى تصديق ما قلنا في تمام الآية حين يقول: {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}[الحديد: ٢٣]، فصح عند كل فهمٍ أنه إنما أراد بهذا القول محن الدنيا وبلواها، وفرحها وحزنها، وكثرة المال ونقصانه، وزكاة ثماره(١)، ولو كان مراده ø بهذا القول الكفر والإيمان لم يقل: لا تأسوا على الإيمان إن فاتكم ولا تسروا به إن نلتموه، ولا تفرحوا بفوات الكفر لكم، فأي سرور يسر العبد إذا لم يسره الإيمان؟ وأي فرح أعظم منه على العبد وأحلى(٢) من فوات الكفر له وتخلصه منه؟ والحجة في هذا نفسه(٣) قول من قال بما ذكرناه، ولم يقل: الذين إذا أصابهم الإيمان والكفر فقالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون.
  فبهذا علمنا أن المعنى هو ما ذكرنا من محن الدنيا وآفاتها، ولو كان على ما تأوله الجاهلون ما سمي مصيبة ولا أمرهم بالصبر عليه للعلة التي شرحت لك، كيف يجوز أن يأمرهم بالصبر على الكفر ويبشرهم بالثواب [عليه(٤)]؟! هذا أحول المحال.
  [٦] - واحتجوا أيضاً بقوله: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}[الإنسان: ٣٠]، فصدق الله لولا أنه يشاء لهم التعريف بالإيمان والكفر ودلهم على ما عرفوه فعرفهم به وأرسل إليهم المرسلين [وحظهم على اتباعهم](٥) ما عرفوا الإيمان من الكفر،
(١) في (ب، هـ): وزكا ثمارها.
(٢) في (ب، هـ): وأجل.
(٣) في (ب، هـ): تفسد.
(٤) زيادة من (ب، هـ).
(٥) زيادة من (هـ).