[مزاعم المجبرة]
  والرضا من السخط، ثم قال في ذلك: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ}[النساء: ٢٦]، فهذه إرادة الله ومشيئته في خلقه، لا ما قال به الجاهلون.
  [٧] - ومما احتجوا به أيضاً: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ١٠٥}[هود]، فتأولوا ذلك على أحكم الحاكمين بأقبح التأويل، ولعمري لو نظروا ما في الآية من قبل هذا الكلام لأسفر لهم الأمر ولعرفوه، ألا ترى كيف يقول سبحانه: {يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ١٠٥}[هود]، يخبر عز ذكره أن ذلك الشقاء والسعادة إنما تكون في ذلك اليوم، يعني يوم القيامة لا أيام الدنيا، ولعمري إن يوم القيامة ليوم التغابن والحسرة والندامة، فمنهم ذلك اليوم شقي وسعيد، شقي قد شقي بعمله وبما وقع عليه من حكم الله له بالعذاب، وسعيد قد سعد في ذلك اليوم بعمله وبما قد حكم الله له به من الثواب، والشقي أشقى الأشقياء من شقي في ذلك اليوم، والسعيد أسعد السعداء من سعد في ذلك اليوم، وإنما أخبر الله سبحانه عن شقائهم وسعادتهم في ذلك اليوم لا في الدنيا، ألا ترى كيف يقول: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ١٠٣}[هود]، يعني يوم القيامة، ولو كان الأمر على ما ظنوا لكانت المخاطبة عند أهل اللسان والمعرفة على غير هذا اللفظ، وكان اسم الشقاء والسعادة قد انتظمهم قبل ذلك اليوم، وكانوا مستغنين عن إرسال الرسل إليهم وإنزال الكتب عليهم، ولم يكن لله سبحانه عليهم حجة؛ إذ كان المشقي لبعضهم والمسعد لبعض، والمدخل لأهل الشقاء في المعصية ولأهل السعادة في الطاعة، هذا أقبح ما نسب إلى الله وقيل به فيه، فنعوذ بالله من الضلالة والعمى، ونسأله الرشد والهدى.
  [٨] - ومما يحتجون به أيضاً قول الله سبحانه: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ١٣}[السجدة]، يقول: بفعلهم وعملهم حق عليهم قولي وثبتت عليهم حجتي ووقع