[مزاعم المجبرة]
  بهم العذاب؛ لأن قولي وحكمي بالعذاب قد سبق مني(١) على من عصاني، ثم قال: {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ١٤}[السجدة]، فصدق الله ø لو شاء أن يهديهم جميعاً من جهة الجبر لهم لفعله ولم يغلبه ذلك، ولكن لم يشأه سبحانه إلا بالتخيير منهم والاختيار؛ لأنه لو جبرهم على ذلك وأدخلهم فيه غصباً كان المستوجب للثواب دونهم، ألا ترى إلى قوله في آخر الآية متبرئاً من فعلهم: {وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ١٤} ولم يقل: بمشيئتي لكم، ولا بقضائي عليكم، ولا بإرادتي فيكم، ولا بإدخالي لكم في القبيح من الفعل؛ فافهم وفقك الله ما شرحت لك.
  والنسيان من الله هو: الترك لهم والإمهال، تقول العرب: نسيت الشيء ونسأته أي: تركته ولم أفعله.
  [٩] - ومما يحتجون(٢) به أيضاً قول الله سبحانه: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ٩٩}[يونس]، فصدق الله لو شاء ذلك لأمكنه أن يكرههم على الإيمان إن شاءوا أو أبوا، ولم يكن ذلك بغالب له، ولا ما هو أعظم منه؛ إذ كان ذلك معجزاً وغالباً لمحمد ÷ لا يقدر على ذلك منهم ولا يمكنه فيهم، فأخبر الله سبحانه أن ما لا يقدر عليه لو أراده هو من جهة الجبر والإكراه لأمكنه، ولكنه لم يرده إلا من جهة التخيير منهم والاختيار والرغبة لما استوجبوا بذلك الفعل بثوابه وعقابه. فافهم ذلك وميزه إن شاء الله.
  [١٠] - ومما يحتجون به قول الله سبحانه: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}[النساء: ٧٨]، فصدق الله ø في قوله، غير أنهم لم يفهموا التأويل؛ لأنه يقول
(١) (مني): ساقط من (ب).
(٢) في (ب، ج، هـ): احتجوا.