مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[مزاعم المجبرة]

صفحة 294 - الجزء 1

  سبحانه: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}⁣[آل عمران: ٧]، وليسوا من أولئك، وإنما أراد الله ø أن ينقض على الكفار قولهم؛ لأنه إنما كان الكفار إذا أصابهم مما⁣(⁣١) يحبون من جميع الخير مثل الخصب وزكاء الزرع وكثرة النسل ابتداءً لهم من الله بالإحسان والمن، وتوكيداً للحجة عليهم والإنعام قالوا: هذا من عند الله. وإذا أخذهم الله بشيء من فعلهم وخبث نياتهم وعظم⁣(⁣٢) جرمهم وإكذابهم لمحمد ÷ ولما جاءهم به وابتلاهم الله بنقص الخصب وقلة المطر والزرع والنسل قالوا: شؤم محمد ومن معه.

  فأخبر الله سبحانه أن هذه الزيادة والنقصان في جميع ما ذكرنا من الله فقال: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}⁣[النساء: ٧٨]، ثم شرح ذلك فقال مبيناً للخبر: {فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ٧٨ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}⁣[النساء]، يقول: ثواب من الله سبحانه لكم على ما كان من الطاعة، وخزي وعقاب منه سبحانه لكم على ما كان من أنفسكم من المعصية والعمل القبيح وترك الائتمار لأمره فيقول: ما أصابكم من الزيادة فيه والصلاح فمن نعم الله عليكم وتفضله وإحسانه إليكم، وما أصابكم من نقصان ذلك وفساده فمن قبيح أعمالكم وسوء نياتكم وإصراركم على المعاصي، وإنما دخل عليكم من أنفسكم لما فعلتم ما فعلتم حتى وجب الشنآن⁣(⁣٣) عليكم بذلك الفعل من الله سبحانه، وهذا تفسير ما جهلوا من ذلك.

  [١١] - ومما يحتجون به أيضاً قول نوح # لقومه عندما جادلهم في الله فأكثر، فقالوا: {يَانُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ٣٢}⁣[هود]، فقال نوح #: {إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا


(١) في (ج، هـ): ما.

(٢) في (هـ): عظيم.

(٣) في (ج، هـ): وجبت الشنأة.