مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[ما يستدل به أهل العدل على أهل الجبر]

صفحة 295 - الجزء 1

  أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ٣٣ وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٣٤}⁣[هود]، يقول لهم صلى الله عليه: إن جدالي ونصحي لا ينفعكم إذا جاءكم عذاب ربكم ونزل بكم؛ لأنه لا يرد عذاب الله سبحانه إذا نزل بقوم وهي سنته في الذين خلوا، لا يقبل توبتهم إذا نزل العذاب بهم، وكذلك إذا أراد الله أن يغويكم، فالإغواء من الله العذاب فيقول: لا ينفعكم نصحي إذا نزل بكم إغواء الله وهو عذابه، كما قال ø في موضع آخر: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ٥٩}⁣[مريم]، ولم يرد نوح # بالإغواء ما تأوله الجاهلون، من الضلال لهم، وإمدادهم بالغي والتمادي والكفر، وإنما أراد بالإغواء العذاب النازل، ثم كذلك الإغواء في جميع ألسن العرب: لقيت غياً أي: عذاباً وتعباً⁣(⁣١)، ولقي فلان غياً، كل هذا تحذير لهم لنزول العذاب بهم، وأنه لا تنفعهم نصيحة إذا نزل العذاب بهم لم يصرف عنهم، كذلك قال الله سبحانه: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ ٨٥}⁣[غافر]، وكثير مثل ما ذكرنا في القرآن مما احتجوا به وتأولوه على غير ما أنزل الله، وفي فساد ما أفسدنا عليهم من تأويلهم فيما ذكرنا واحتججنا عليهم به ما يغني عن كثير حججهم وقبيح تأويلهم وباطل قولهم.

[ما يستدل به أهل العدل على أهل الجبر]

  وقد قال الله سبحانه محتجاً على من نسب مثل ما نسبوا إليه في كثير من القرآن وفي مواضع هي أكثر مما احتجوا به وتأولوه فقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ٩٠}⁣[النحل]، وقال عز ذكره مكذباً للمشركين ولمن


(١) في (ط): بغيا.