[ما يستدل به أهل العدل على أهل الجبر]
  قال بقولهم، ومحتجاً عليهم ومخبراً بإفكهم وعوارهم: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ٢٨}[الأعراف]، ثم قال عز ذكره: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ١١٥}[التوبة]، ينفي عن نفسه ø ما أسندوا إليه من خلقهم شقياً وسعيداً، ومن أن يضلهم بعد أن كان منه من الابتداء لهم بالإحسان والدعاء والدلالة على الهدى، وعلى ما يحب وعلى ما يكره، وما يحذرون وما يتقون؛ فإذا تبين لهم ذلك فصدوا عنه حقت عليهم كلمة الضلال، وحاق بهم الإضلال من الله بذنوبهم ودنيء فعلهم، ثم نسب من نسب إليه هذا القول وقال به عليه إلى قول الذين أشركوا: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ١٤٨ قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ١٤٩}[الأنعام]، يقول: مثل هذا القول قاله الذين من قبل هؤلاء حتى نزل بهم بأسنا وذاقوه، وذلك أنهم كانوا يعملون الخبائث والمعاصي، فإذا نهوا عنها وقال لهم أنبياؤهم ومن يتبع الأنبياء: لا تفعلوا ولا تعصوا ربكم قالوا: لو شاء الله ما أشركنا ولكنه أدخلنا في المعصية وقضاها علينا، فأخبر الله ø أن ذلك ليس كذلك، وأنهم كانوا في ضلال وتكذيب لمن يقول لهم: إن الله لم يأمرهم ولم يقض عليهم بالمعصية حتى ذاقوا بأسه وهو عذابه، وتبرأ من ذلك وعلم أنه لو كان شاء لهم الإشراك ما نزل بهم بأسه، ثم قال محتجاً عليهم: {هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} يقول: من علم عن الله فبينوا(١) لنا أن هذا الفعل والقول والمشيئة من عند الله، ثم قال
(١) في (ب، هـ): فيثبتوه.