[ما يستدل به أهل العدل على أهل الجبر]
  مكذباً لهم أيضاً: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ١٤٨} يقول: إن يتبعون إلا أهواءهم بما يظنون وإن هم إلا يخرصون أي: يكذبون في قولهم على أنه شاء لهم ومنهم الكفر، وأنه لو شاء ما أشركنا، ولكنه أدخلنا فيه ومنعنا من الدخول في الطاعة.
  ثم قال: {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ١٤٩} يقول: فلله الحجة بما قدمه إليهم ودعاهم إليه وأنذرهم [به](١) على ألسن رسله À، ثم قال: {فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ١٤٩} يعني: يجبركم جميعاً على الهدى، ولكنه لم يشأ ذلك إلا بالتخيير منكم والاختيار له، وكذلك أرسل إليكم الرسل وأمركم بطاعتهم وحذركم معصيتهم، ولو شاء لكم الإيمان بالجبر منه والإكراه والمنع لكم ما احتاج أن يرسل إليكم رسله ولا يدعوكم إلى طاعته؛ لأنه إذا أجبركم على ما يريد ولم يُمَكِّنكم ولم يفوضكم ولم يجعل لكم إرادة ولا قوة ولا استطاعة فهو الذي يجبركم على ما يريد(٢)، ولا خيار لكم ولا حاجة له ولا لكم إلى الرسل، ولا إلى الدعاة؛ لأنه قد أشرككم فيما يريد من خير وشر، ومن كانت هذه حاله فإنه(٣) لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً غير ملوم في عمل الشر ولا محمود في عمل البر ولا حجة عليه، فإن عذب على قبيح فقد ظلم، وإن(٤) أثيب فلم يستأهل ثواباً على جليل الطاعة، وليست هذه الصفة من صفات الحكماء.
  ألا ترى إلى قوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ٥٦ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ٥٧}[الذاريات]، فأخبر سبحانه أنه لم يخلقهم إلا لعبادته ولم يخلقهم لمعصيته ولم يشق ولم يسعد ولم يجبر ولم يطبع أحداً على شيء
(١) زيادة من (هـ).
(٢) (على ما يريد) غير موجود في (ب، ج).
(٣) في (ج، هـ): فإنما هو.
(٤) في (ب، ج، هـ): أو.