مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[ما يستدل به أهل العدل على أهل الجبر]

صفحة 298 - الجزء 1

  من هذا، ولم يسم مؤمناً ولا كافراً إلا بإيمانه وكفره وفعله، لا بخلقه ø؛ لأنه ليس بظلام للعبيد، ولو طبعهم على شيء من هذا كان المحسن غير محسن، والمسيء غير مسيء؛ لأن كل من فُعِل به شيء وأدخل فيه غصباً كان غير محمود عليه ولا مذموم فيه، وكان المحسن ليس بأحق باسم الإحسان من المسيء، ولا المسيء بأحق باسم السواية من المحسن، والتبس الأمر فيما بينهما، وأمكن لكل أن⁣(⁣١) يدعي ما أحب، لو قال المسيء: أنا محسن لأمكنه ذلك، ولما عرف المسيء من المحسن على قولهم وقياسهم.

  ثم قال سبحانه: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}⁣[النساء: ١٢٣]، يقول «يعمل» ولم يقل: عملتُ به وقضيت عليه، وإنما كان أهل الكتاب - يعني اليهود وغيرهم من أهل الكتاب - يقولون: ليس يعذبنا الله، نعمل ما شئنا، نحن أبناء الله وأحباؤه؛ فأكذبهم الله وأعلمهم وغيرهم أنه لا يظلم أحداً، وأنه من عمل شيئاً جزي به.

  ثم قال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ٢٨ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ ٢٩}⁣[إبراهيم]، يقول: بدلوا ما أنعم الله به عليهم من إرسال الرسل والدعاة⁣(⁣٢) والدلالة على الخير كفراً بذلك، أي: جحدوا به، ودعوا الناس إلى المعصية والكفر به وأحلوهم.

  ثم قال مخبراً لهم محتجاً عليهم: {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}⁣[الأنعام: ١٥١]، والله أعدل وأحكم من أن ينهى عن شيء وهو منه، أو ينهى عبداً عن شيء قد أراده، أو عن شيء لا يقدر على عمله أو على الخروج منه، أو يأمرهم بشيء لا يمكنهم الدخول فيه، ولم يكلف الله عباده⁣(⁣٣) إلا ما يقدرون


(١) (لكل أن): في (ب، ج، هـ): كلاً.

(٢) في (ب، ج، هـ): والدعاء.

(٣) في (ب، ج، هـ): العباد.