[ما يستدل به أهل العدل على أهل الجبر]
  عليه ويطيقونه برحمته ورأفته وفضله، وكل ما نهى الله عنه فليس منه ولم يشأه، ألا ترى إلى قوله ø: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ}[الزمر: ٧]، معنى الكفر هاهنا: الجحود له ولنعمه وفضله عليهم الذي ابتدأهم به، وإن يشكروا أي: يطيعوا فيعملوا بطاعته يرضى ذلك الفعل منهم ويثيبهم عليه.
  ثم قال أيضاً: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}[فصلت: ١٧]، يخبر عز ذكره ويبين أن الذنوب من العباد بالاختيار والاستحباب منهم، وأنه قد هداهم فاستحبوا الكفر وآثروه على ما فعل بهم من الهدى، ثم قال: {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ٣}[الأعلى]، أي: ابتدأ الخلق بما ذكرنا من الدلالة لهم على الخير والهدى.
  ثم قال ø لنبيه # متبرئاً من الضلالة مسنداً لها إليهم: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ٥٠}[سبأ]، معنى ذلك: إن ضللت فإنما أضل من نفسي (على) تقوم مقام (من)؛ لأن حروف الصفات يخلف بعضها بعضاً، وهذا كثير في أشعار العرب قال الشاعر(١):
  شربن بماء البحر ثم ترفعت ... لدى لجج خضر لهن نئيج
  يريد: من لجج، فجعل مكانها (لدى)، وكذلك حروف الصفات يخلف بعضها بعضاً.
(١) هو أبو ذؤيب الهذلي. قال الزركلي في الأعلام في ترجمته: خويلد بن خالد بن محرّث، أبو ذؤيب، من بني هذيل بن مدركة، من مضر: شاعر فحل، مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام. وسكن المدينة. واشترك في الغزو والفتوح. وعاش إلى أيام عثمان فخرج في جند عبد الله بن سعد بن أبي سرح إلى إفريقية (سنة ٢٦ هـ غازيا، فشهد فتح إفريقية وعاد مع عبد الله بن الزبير وجماعة يحملون بشرى الفتح إلى عثمان فلما كانوا بمصر مات أبو ذؤيب فيها. وقيل مات بإفريقية.