[ما يستدل به أهل العدل على أهل الجبر]
  أفَتَرى محمداً يضل من نفسه ويهتدي من الله، وهذا الخلق يضلون من عند الله؟ معاذ الله! كيف ننسب هذا الفعل القبيح والاسم إلى الله والظلم، ونبرئ منه أنفسنا، والله ø يقول: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ١٨٠}[الأعراف].
  ثم قال ø(١): {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ}[الأعراف: ٢٩]، وقال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}[الإسراء: ٢٣]، ولم يقل: وقضى ربك أن تكفروا به وتعبدوا سواه من الحجارة والنار وغيرهما من المعبودات، فكان أمره وقضاؤه ومشيئته أن لا يعبدوا غيره، بالتخيير من العباد لا من جهة الجبر لهم على تركها، فقال: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ٣١}[الإسراء]، ثم قال أيضاً: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ٣٢}[الإسراء]، ثم قال ø: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}[الإسراء: ٣٣]، {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[الإسراء: ٣٤]، ثم قال: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ٣٦}[الإسراء]، ثم قال: {وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا ٣٩}[الإسراء]، أفَتَرى الله سبحانه قضى أن يجعل معه إلهاً آخر ورضي ذلك، أو أراده أو شيئاً مما ذكرنا من قتل المشركين أولادهم؟ ثم عظم ذلك وذم عليه فاعله أشد الذم، ورضي بالزنا ثم قال: {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ٣٢}؟ وبقتل النفس بغير حق أو بأكل مال اليتيم أو الكذب(٢) ثم قال: {كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ٣٦}؟
  فإن كان قضاه سبحانه فكيف [يسألهم عن شيء هو فعله بهم؟ وإن كان منهم
(١) في (ب، ج، هـ): ذكره.
(٢) في (ب، ج، هـ): بالكذب.