مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[ما يستدل به أهل العدل على أهل الجبر]

صفحة 306 - الجزء 1

  ألا ترى إلى ما يقول آدم # عند ما كان منه: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ٢٣}⁣[الأعراف]، أفترى آدم # استغفر ربه من قضائه عليه وقدره وحتمه لمعصيته عليه، أم من ذنب عمله هو من نفسه والله بريء منه؟ أو ترى [أن]⁣(⁣١) الله نهاه عن أكل الشجرة وقد قضى عليه أكلها وحتمه في رقبته؟ ولو كان ذلك كذلك ما أقر # على نفسه بالخطيئة ولقال: هذا قضاؤك علي ومشيئتك، وإنما أخطأت وأكلت من الشجرة، ولولا قضاؤك ومشيئتك ما قدرت على أكلها، فلعلمه بالله أقر صلى الله عليه أن الخطيئة كانت منه وبرأ ربه منها، تعالى الله عما يقول الجاهلون علواً كبيراً.

  وكذلك قال موسى # لما وكز الرجل فقضى عليه، فقال موسى عند ذلك: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ١٥}⁣[القصص]، ولم يقل: هذا من قضاء الله علي ولا من تقديره فيّ، ولا من إضلاله [لي⁣(⁣٢)]، فبرأه سبحانه من ذلك، ونسبه إلى الشيطان وإلى نفسه فقال: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي}⁣[القصص: ١٦]، فهذا قول أنبياء الله يلزمون أنفسهم الخطايا ويبرئون من ذلك خالقهم، والجهال يبرئون أنفسهم من ذلك ويلزمون الذنوب خالقهم.

  وانظر إلى قول الله سبحانه: {حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ٣٨}⁣[الزخرف]، أفترى الله سبحانه يعني نفسه بذلك أم يعني مجترم الذنب؟ تعالى الله من أن يضل أحداً أو يكون له أحد قريناً.

  ثم أخبر عن كفرهم وقولهم الكذب على الله، وأنه غير راض بذلك فقال: {أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ ١٥١ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ١٥٢}⁣[الصافات]، أفترى الله أمرهم بالكذب عليه وقضاه عليهم ثم تبرأ من شيء هو فعله ورمى به غيره سبحانه؟ ألا ترى كيف يقول ø: {ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا


(١) زيادة من (ط).

(٢) زيادة من (ط).