[ما يستدل به أهل العدل على أهل الجبر]
  ثم قال سبحانه: {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ ٢٣ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ٢٤ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ ٢٥ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ ٢٦}[ق]، ثم قال سبحانه: {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ٢٧ قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ٢٨ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ٢٩}[ق]، وقال: {الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} أَفَتَرى الله سبحانه الذي أضله وأمره أن يجعل معه إلهاً آخر ثم يقول: {أَلْقِيَاهُ} يعني: الضال والمضل؟ أفتراه أراد بهذا نفسه؟ إذ كان في قولهم أنه المضل لهم والمدخل لهم فيما دخلوا فيه من خير وشر، فكيف وقد تبرأ في آخر الآية فقال: {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ٢٨} ولم يقل سبحانه: لا تخاصموني ولا تحتجوا علي؛ لأنهم لم ينسبوا إليه شيئاً من الظلم ولا من الضلال(١) لهم ولا من إدخالهم في شيء مما نهاهم عنه، وإنما نسب ذلك بعضهم إلى بعض، ولو نسبوا إليه كانت الخصومة معه لا مع غيره وكانت الحجة لهم، والقول عليه، ألا ترى إلى قول المذنب الذي جعل مع الله إلهاً آخر كيف يلزم الذنب غير ربه؟ وكيف لم يقل: أمرني ربي أن أجعل معه إلهاً غيره؟
  ثم قال: {كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ٢٤ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ(٢)} أفترى أن هذه الصفات(٣) كلها القبيحة وصف الله بها نفسه؟! تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
  ثم قال سبحانه: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ}[الأنعام: ١٣٧]، أفترى الله سبحانه أراد بذكر الشركاء غيره من المغوين أم نفسه بهذا التزيين؟ فإن كان شركاؤهم هم غيره فقد برأ نفسه سبحانه أن يضل ويزين شيئاً من المعاصي لأهلها، وإن كان
(١) في (ب، ج، هـ): الإضلال.
(٢) في (ب) زيادة: مُعْتَدٍ.
(٣) في (ب، ج، هـ): الصفة.