[ما يستدل به أهل العدل على أهل الجبر]
  هو الشركاء فقد عنى إذاً نفسه بهذا القول، وهذا غير معروف في اللغة، يذكر غيره ويخاطبه وهو يريد بالذكر نفسه، هذا محال في القول لا يقبله العقل.
  وانظر إلى قوله فيما يحكيه عن الهدهد فقال: {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ}[النمل: ٢٤]، ولم يقل: زين الله لهم السجود للشمس، ولا أنه صدهم عن السبيل.
  وكل نبي أو غيره ممن عقل [أو أنصف](١) يبرئ الله سبحانه من الذنوب ويستغفره منها، ويسند الخطأ فيها إلى نفسه، ألا ترى إلى قوله سبحانه لموسى صلى الله عليه: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ١٧ فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى ١٨ وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ١٩ فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى ٢٠ فَكَذَّبَ وَعَصَى ٢١ ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى ٢٢ فَحَشَرَ فَنَادَى ٢٣ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ٢٤ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى ٢٥}[النازعات]، أفترى الله تبارك وتعالى الذي أضل فرعون وأدبره عن الطاعة ومنعه أن يتزكى وأمره بالتكذيب والعصيان، وأن يدعي أنه الله الأعلى، وقد فطره الله على ذلك وحمله عليه، ثم أرسل إليه موسى ~ يدعوه إلى أن يهتدي ويتزكى وقد منعه منهما وفطره على غيرهما وحال بينه وبين العمل بهما، ثم يرسل إليه من أرسل، وأنزل به العذاب عندما كان من سعيه في طاعة الله وأمره؟
  هذا أكبر الظلم وأقبح الصفة في المخلوقين، تعالى الله عما أسند إليه الجاهلون من هذه المقالة الفاسدة الضالة، ألا ترى إلى قول الله سبحانه: {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى ٧٩}[طه]، ينسب الضلالة إلى فرعون والإضلال، ويبرئ منها نفسه.
  وانظر أيضاً إلى قوله ø: {اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ}[البقرة: ١٧٥]، يقول سبحانه: استحبوا الضلالة على الهدى والعذاب على المغفرة، ممثلاً في ذلك بالبيع والشراء؛ لأنه في كلام العرب هذا المثل.
  وانظر أيضاً إلى قوله في ابن آدم: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ
(١) زيادة من (هـ).