مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[ما يستدل به أهل العدل على أهل الجبر]

صفحة 311 - الجزء 1

  كان نهاه عن شيء لا يقدر عليه فليس لله على خلقه حجة؛ إذ كانت حاله كحالة من يُدعَى إلى ما لا يطيق، وكُلِّف ما لا يقدر⁣(⁣١) عليه، وعُذِّب بذلك مظلوماً، وكيف يكون ذلك كذلك والله سبحانه يقول: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ٢٩}⁣[النساء]، فأين الرحمة ممن كلفهم ما لا يطيقون، وافترض عليهم ما لا يقدرون على تأديته، لمنعه لهم منه، وحجزه إياهم عنه؟ كذب من قال على الله بهذا القول وخاب⁣(⁣٢) في الدنيا والآخرة.

  ألا ترى كيف يخبر عن تمكينه لعباده وتخييره لهم، وعن تخيره لهم، وعن الاستطاعة والقدرة التي مكنهم بها من العمل للطاعة والمعصية، فقال: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ٦٥}⁣[المائدة]، ثم قال: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ}⁣[المائدة: ٦٦]، ثم قال: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ٩٦}⁣[الأعراف]، فانظر إلى قوله: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ}⁣[المائدة: ٦٥]، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى}⁣[الأعراف: ٩٦]، {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ}⁣[المائدة: ٦٦]، {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا}⁣[النساء: ٦٦]، وهذا في القرآن كثير يدل عند أهل اللغة والمعرفة والنصفة على أنهم ممكنون مفوضون قادرون على ما أمروا به من العمل به والترك لما نهوا عنه، وكثير مما في كتاب الله ø يشهد لنا بما قلنا، كرهنا بذكره التطويل عليك.

  فميز يا بني علمك الله، ما قد شرحت لك من هذا القول، وتدبر ما حكيت لك من قول الكذابين على الله، يبن لك الصدق وتعلم الحق؛ لأنه واضح مبين لا يخفى على أهل المعرفة والعقل؛ لأن العقل أكثر حجج الله سبحانه على عباده، ولذلك لم يخاطب إلا ذوي الألباب والعقول، وإياهم قصد بالأمر والفرض


(١) في (ب، هـ): يطيق.

(٢) في (ب، ج، هـ): خاف.