[حجج العقل لأهل العدل والتوحيد]
  وكان مستعملاً فيما حتم في رقبته وقضى عليه لا يطيق الخروج منه إلى غيره، فإلى من أرسل الله الأنبياء والمرسلين؟! وإلى من دعوا؟! ومن خاطبوا؟! وعلى من احتجوا؟ أم من تبعهم وأطاعهم؟ أم ما(١) كانت حاجة العباد إليهم؟ أم ما كان المعنى عند الله سبحانه في إرسالهم؟ أتراه أرسلهم عبثاً أم سخرياً؟ أم بياناً وتوكيداً للحجة على العباد وتوقيفاً؟ فإن كان سبحانه أرسلهم إلى قوم قد منعهم من طاعته، يدعونهم إلى الدخول فيها وقد حال بينهم وبين ذلك ومنعهم؛ طالباً للحجة عليهم بلا حجة لازمة بينة، فهذا أكبر الظلم وأحوال المحال، ليس أحكم الحاكمين يعبث ولا يلغو(٢) ولا يسخر ولا يستهزئ، ولا خلق الجنة والنار باطلاً، ولا أرسل المرسلين عبثاً.
  لو كان الله سبحانه على ما يقولون ما أرسل إلى خلقه رسولاً، ولا دعاهم إلى طاعة، ولا دلهم على ما يرضيه مما يسخطه، ولا احتج عليهم بالآيات المعجزات ولا بالبراهين الواضحات التي عجز عنها جميع الكهنة والسحرة والفراعنة وشياطين الإنس والجن فلم يقدروا أن يأتوا منها بشيء، مثل التسع آيات(٣) التي كانت مع موسى #، والمعجزات التي جاء بها غيره من الأنبياء كل هذا احتجاج من الله سبحانه على خلقه؛ ليطيعوا أنبياءه ورسله ويجيبوهم إلى خلع الأنداد والأصنام والأوثان والآلهة المعبودة من دونه(٤)، ولكن الله سبحانه مكنهم وفوضهم(٥) وأرسل إليهم الرسل يدعونهم إلى ما هم قادرون عليه ويندبونهم إليه ليخرجوهم بذلك(٦) من ظلمة الشرك إلى نور الإسلام.
(١) في (أ، ب، د): من.
(٢) في (ب، ج، هـ): يغلو.
(٣) في (هـ): الآيات.
(٤) (دونه) ساقط من (هـ).
(٥) في (ب، هـ): مكنكم وفوضكم. وظُنِّنَت في (ج): بمكنهم وفوضهم.
(٦) في (ب، ج): بتلك.