مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[حجج العقل لأهل العدل والتوحيد]

صفحة 316 - الجزء 1

  ألا ترى إلى قوله ø: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ٢٥٧}⁣[البقرة]، فلولا أن الله تبارك وتعالى قد علم أن عباده يقدرون على طاعة رسله ما أرسلهم إليهم ولا أمرهم⁣(⁣١) بطاعتهم ولا حثهم على أداء ما جاءوا به من فرائضه وما دعوا به من اتباع مرضاته، وذلك لما مكنهم الله منه، وجعل فيهم من القوة والاستطاعة ليركبوا بها طبقاً عن طبق، تفضلاً منه عليهم، وإحساناً منه إليهم، وإكمالاً للحجة فيهم وعليهم⁣(⁣٢)؛ لئلا يكون لأحد على الله حجة بعد رسله، وما شرع من فرائضه، وما دعا إليه من طاعته وحذر من معصيته، وذلك قوله: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}⁣[النساء: ١٦٥].

  ومن أكبر عجائبهم أنهم يزعمون أن الله تبارك وتعالى قضى على العباد بالمعاصي قضاء حتماً لا يمكنهم الخروج من ذلك القضاء، وقدَّره عليهم وشاءه لهم، ثم زعموا مع هذا القول أن محمداً ÷ أرسل إلى الناس كافة، وأن كل ما أمر به أو نهى عنه من تحليل شيء أو تحريم آخر لله رضا وطاعة ومرادٌ ومشيئة؛ إذ رجعوا فأكذبوا أنفسهم وطعنوا على نبيهم؛ فزعموا أن جميع ما نهى الله عنه قضاء ومراد ومشيئة.

  فانظر يا بني، ما بين هذين القولين من التناقض والعمى والحيرة، بينا محمد ÷ يحث على طاعة الله والقيام بأمره والأداء لفرضه؛ إذ⁣(⁣٣) صار ينهى عن جميع ذلك.

  وانظر إلى ما هو أعجب من هذا قولهم في إبليس - لعنه الله - يزعمون مرة أنه لله عاص وعليه مفتر، بل قد افترض عليه ذلك في كتابه وعلى لسان نبيه ÷،


(١) في (أ، د): أمر بطاعته.

(٢) (عليهم) ساقط من (ب، ج، هـ).

(٣) (إذ) سقطت من (ب، ج، هـ).