[حجج العقل لأهل العدل والتوحيد]
  فيا سبحان الله! ماذا بينهما من التباعد! وما أشد اختلافهما، وأبين تناقض أمرهما عند أهل المعرفة والعقل، وأخبث قولهم هذا الذي قالوا به.
  ومن الحجة عليهم أيضاً التي لا يجدون لها نقضاً، ولا بد لهم عندها من أن يكذبوا أنفسهم وقولهم، أو(١) يلزموا محمداً ÷ المعصية والتعدي فيما أمره الله به يقال لهم: أخبرونا عن محمد # حين أمره الله بدعاء الناس كافة إلى عبادته والعمل بفرائضه، فوجدهم ÷ على ما كانوا عليه وبه عاملين من عبادة النار والحجارة والأصنام والأنداد، وأكل الربا وشهادة الزور، وعقوق الوالدين، وقتل الأطفال، وسفك الدم الحرام، والقول إن الله ثالث ثلاثة، وإن له ولداً وصاحبة، وإنه بخيل، وإن يده مغلولة، وما أشبه هذا القول من الفواحش، أمرهم محمد ÷ بلزوم ذلك، وحثهم على العمل به والاجتهاد فيه؟ وأمر أيضاً من وجده يعبد الله وحده، ويقول: إنه ليس معه شريك، ولا له شبيه، ويسجد له من دون المعبودات كلها ويحرم الزنا والربا وأكل مال اليتيم وقتل الطفل، ويأمر بخلع المعبودات كلها من دون الله، أمرهم بلزوم ما هم عليه وحثهم على أدائه، لم يغير على أحد من العالمين شيئاً، ولم ينههم عن شيء، ولم يأمرهم بشيء غير الاجتهاد فيما هم فيه، فقد صدق من زعم أن جميع الأشياء من الله، وله رضا وقضاء وأمر ومشيئة.
  وإن كان ÷ نهى عن شيء مما ذكرنا من العملين وميز بين المنزلتين، وسمى أحدهما [لله(٢)] طاعة ووعد من عمل بها الجنة، وسمى المنزلة الأخرى معصية، وتوعد(٣) من عمل بها النار، فقد كذب من زعم أن كل شيء مراد الله(٤) وقضاء، فإن أحبوا فيكذبوا أنفسهم للزوم الحجة لهم، وإن أحبوا أن يقولوا إن محمداً ÷
(١) الألف ساقط من المخطوطات، لكن لا يستقيم المعنى إلا بإثباته.
(٢) زيادة من (ب، هـ).
(٣) في (ب، هـ): تواعد.
(٤) في (ب، هـ): مراد لله.