مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[حجج العقل لأهل العدل والتوحيد]

صفحة 319 - الجزء 1

  عاصٍ متعدٍّ عليه، ناهٍ عن قضائه وأمره، وإن الله تبارك وتعالى لم يأمرهم بتحريم شيء مما حرم، وإن جميع ما حرم أحل منه بالتكليف منه لا من الله، نقض من قال بهذا كتاب الله ø؛ إذ يقول له ÷: {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ٨٦}⁣[ص]، {قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي}⁣[الأعراف: ٢٠٣]، وهذه الصفة والقول لا يجوزان في محمد ÷، ولا له.

  ومن الحجة عليهم أن يقال لهم: أخبرونا عن محمد ÷ أكان عندكم رؤوفاً رحيماً حريصاً على العباد شفيقاً مريداً لهم أن يطيعوا الله ولا يعصوه؟ وعن قول الله سبحانه فيه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ١٢٨}⁣[التوبة]، أكان كذلك أم كان عندكم على غير هذه الصفة من قلة الرأفة والرحمة والحرص؟ فلن يجدوا بداً من أن يقولوا: كان ÷ رؤوفاً رحيماً، كما وصفه الله، فحينئذ يقال لهم: فأين الرأفة والرحمة ممن يأمر العباد بترك طاعة الله، والخروج عن مشيئته ومراده، والرد لقضائه وأمره، وكيف يكون عندكم حال من نهى عما ذكرنا⁣(⁣١) وحال من أطاعه في ترك ما ذكرنا⁣(⁣٢) مما هو لله مشيئة ومراد؟ وأين الرأفة والرحمة ممن يأمر العباد بما لهم فيه الهلاك والغضب عند الله؟ هذا قول ينقض القرآن ويفسده، وهو حجة الله العظمى على عباده، وفيه تحريم ما حرم وتحليل ما أحل، فإذا كان المؤدي له - في قولكم وعلى مذهبكم - ينهى عن طاعة الله ومشيئته فكيف السبيل عندكم أن يوثق به فيما أدى إلينا من تحليل وتحريم؛ إذ كان ينهى عن قضائه ومراده، فقد احتمل - إن⁣(⁣٣) كان يفعل ذلك بلسانه - أن يفعله ومثله في الكتاب الذي أداه فيحلل الحرام ويحرم الحلال، تعالى الله عما أسند إليه أهل هذه


(١) في (ب): ذكروا.

(٢) في (ب، هـ): ذكرناه.

(٣) في (ج، هـ): إذ.