[الجواب]
  ولا ترك البلاغ؛ لأن الله ألزمهم البلاغ إلزاماً فلا يقدرون على تركه ولا كتمانه - فقد أجابوا وفي ذلك نقض لقولهم.
[الجواب]
  
  فكان أول ما سال عنه أن قال: أخبرونا عن قولكم فيما نسأل عنه، نبئونا هل الأنبياء À مستطيعون لعمل فعلين متضادين في حالين مختلفين؟
  وقولنا في ذلك والله الموفق لكل رشد وخير، والدافع لكل سوء وضير: أن رسل الله À قد أدوا ما أمرهم الله بأدائه على ما أمرهم، لم يشبهم في ذلك تقصير، ولم يتعلق عليهم في ذلك من التفريط جليل ولا صغير، وأنهم كانوا في ذلك كله لأمر الله مؤثرين، وعلى طاعته سبحانه مثابرين، وأن الله سبحانه لم يكلفهم أداء الرسالة حتى أوجد فيهم ما يحتاجون إليه من الاستطاعة، ثم أمرهم بعدُ ونهاهم، وكلفهم من أداء الوحي ما كلفهم، فبلَّغوا عنه ما به أمرهم على اختيار منهم لذلك، وإيثار منهم لطاعته وحياطة لمرضاته، لم يكن منه جبر لهم على أدائه، ولا إدخال لهم قسراً في تبليغه، بل أمرهم بالتبليغ فبلغوا، وحثهم على الصبر فصبروا، فقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَاتِهِ}[المائدة: ٦٧]، فقال: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} ولو لم يكن التبليغ منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ باستطاعة وتخيير(١) لم يقل له: {بَلِّغْ}؛ إذ الأمر لمن لا يقدر أن يفعل فعلاً حتى يُدخَل فيه إدخالاً ويقلّب فيه تقليباً محال؛ لأن الفاعل هو المدخِل لا المدخَل، والمقلِّب لا المقلَّب، فلم يأمر الله ø أحداً بأمر إلا وهو يعلم أنه يقدر على ضده، فحثه بأمره على طاعته ونهاه عن معصيته، ألا تسمع كيف يقول: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ
(١) في (ب، هـ): وتخير.