مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[الجواب]

صفحة 327 - الجزء 1

  كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ٣٥}⁣[الأحقاف]، فأمره باحتذاء ما فعل من هو قبله من الرسل، من الصبر على الأذى والتكذيب والشتم والترهيب، ولو كان الله سبحانه [هو]⁣(⁣١) المدخل لهم في الصبر إدخالاً، ولم يكن منهم له⁣(⁣٢) افتعال لقال: صبرناك كما صبرناهم، ولم يقل: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}.

  وكيف يأمر ذو الحكمة والفضل مأموراً بما يعلم⁣(⁣٣) أنه يفعله من الفعل؟! فجل الله عن ذلك، وجل عن أن يكون كذلك، فهل سمعه من جهله سبحانه يأمر أحداً من خلقه أن يفعل شيئاً مما هو من فعله مما يتولى إحداثه فيهم، ويقضي به تبارك وتعالى عليهم، مما ليس لهم فيه فعل ولا افتعال، ولا تصرف بإدخال ولا إخراج، مثل الموت والحياة، وإيجاد السمع والبصر والأفئدة؟ بل ذكر ذلك كله عن نفسه، وأضاف فعله إليه بأسره، فقال: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ ٤٣}⁣[ق]، ولم يأمرهم أن يموتوا ولا بأن يحيوا.

  وقال سبحانه إخباراً عمن سلف وتوقيفاً واحتجاجاً على من جاء بعدهم وخلف: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ٢٦}⁣[الأحقاف]، فقال: {جَعَلْنَا لَهُمْ} ولم يقل: اجعلوا ولا تجعلوا. ثم قال: {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ} فأراد سبحانه منهم إذ فعل لهم الأسماع⁣(⁣٤) أن يفعلوا هم الاستماع بها فيستمعوا ما جاء به الرسول من أخبار من


(١) سقط من (ج).

(٢) (له) ساقط من (ب).

(٣) في (هـ): بما لا يعلم.

(٤) في (هـ، و): السمع.