مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[الجواب]

صفحة 332 - الجزء 1

  بد من الأمر بالعمل المرضي والنهي عن العمل المسخط، فلما كان ذلك كذلك لم يكن بد من الترغيب على العمل الصالح بالثواب، والترهيب على العمل الطالح بالعقاب، فجعل الجنان ترغيباً، والنيران ترهيباً، وترهيب الشيء من الشيء الذي لا يستطيع أن يرهبه محال، كما أن ترغيب الشيء فيما لا يقدر على أن يرغب فيه فاحش من الفعال، ولا يكون ترغيب إلا لمن يقدر على الرغبة، ولا ترهيب إلا لمن يقدر على الرهبة، ولا أمر ولا نهي إلا لمن يميز بين المأمور به والمنهي عنه.

  فجعل الله وركب فيهم استطاعة وتمييزاً؛ ليعرفوا [بذلك⁣(⁣١)] رضاه فيتبعوه، ويفهموا سخطه فيتجنبوه⁣(⁣٢)، فيثيبهم أو يعاقبهم على ما يكون من أفعالهم باختيارهم؛ لأن المثيب على فعله إنما هو مجاز لنفسه، ثم أمرهم ø ونهاهم [ثم⁣(⁣٣)] قال: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}⁣[الكهف: ٢٩]، ولو لم يعلم أن له مشيئة واقتداراً على الفعل والترك لم يقل: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}، وقال سبحانه: {يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ١٢}⁣[مريم]، ولو لم يكن فيه استطاعة مركبة قبل الأمر ولم يكن قادراً على أخذ الكتاب لم يقل: «خذ» وهو لا يقدر على الأخذ؛ لأن القائل للحجارة وما كان مثلها، يقال: مخطئ محيل في المقال، فتعالى الله عن ذلك.

  وقال: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ١٤}⁣[الجاثية]، ولو لم يكن المؤمنون يقدرون على الغفران لمن أمروا بالمغفرة له لم يقل: «يغفروا» وكان يحدث فيهم الغفران لأولئك فيغفروا، ولم⁣(⁣٤) يكن ليأمرهم من الأمر بما لا يطيقون.


(١) زيادة من (ب، ج، هـ).

(٢) في (ب، ج): فيجتنبوه.

(٣) ساقط من (هـ).

(٤) في (ب، ج، هـ): لم. بدون واو العطف.