مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[المسألة الثانية: من أخطر المعصية على بال إبليس؟ وكيف علم عن ذرية آدم؟]

صفحة 333 - الجزء 1

  وأعطى إبليس اللعين ما أعطاه من الفهم والتمييز لأن يطيعه ولا يعصيه، وأراد أن يطيعه تخيراً وإيثاراً لطاعته، فكانت هذه إرادة معها تمكين واستطاعة، ولم يرد أن يطيعه قسراً، ولا أن يمنعه من المعصية جبراً، فيكون إبليس اللعين في ذلك غير محسن ولا مسيء، فلم يحل بينه وبين المعصية قسراً، ولم يحمله على الطاعة جبراً، فمكنه وهداه ثم أمره ونهاه، فرفض - له الويل - تقواه واتبع هواه، وكفر نعم ربه، وكره تنزيله وحكمه، فكان كما قال الله سبحانه: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ٨ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ٩}⁣[محمد]، فلو كانت الكراهة لما أنزل الله قضاءً له فيهم وفعلاً أدخله سبحانه عليهم لكانت من الله لا منهم، ولكان الكاره لتنزيله لا هم، ولكانوا ناجين من العقاب، وكانوا متصرفين في أمره في كل الأسباب، وكذلك المهتدون لو كان هو الذي فعل هداهم وزادهم في تقواهم لم يقل: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ١٧}⁣[محمد]، ولو كان ذلك كما يقول الجاهلون وينسب إلى الله الضالون لكان من اهتدى ومن كره وأبى في الأمر عند الله شرعاً واحداً؛ إذ كان كلهم في أمره وقضائه له مطيعاً متقلباً⁣(⁣١) متصرفاً في إرادته سريعاً.

  وأما قوله: من أين علم إبليس أن آدم يكون له ذرية؟ وأن الموت يقضي عليهم؟

  فإن جوابنا له في ذلك: أن الله أعلمه ملائكته فسمعه إبليس من ملائكة الله فيما كان يسترق من السمع كما قالوا وحكى الله عنهم في قوله: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا ٩}⁣[الجن]، فكانوا قبل أن يبعث الله نبيه ÷ ويكرمه بما أكرمه [به⁣(⁣٢)] من الوحي إليه يسترقون السمع، فلما أن بعثه الله حجبهم عن المقاعد التي كانوا يقعدونها من السماء


(١) في (ب) وهامش (ج): متقياً.

(٢) زيادة من (ج، هـ).