[المسألة الثانية: من أخطر المعصية على بال إبليس؟ وكيف علم عن ذرية آدم؟]
  ويسترقون من الملائكة الأخبار فيها فيهبطون بها إلى إخوانهم من كهنة الإنس وأوليائهم، كما قال ذو المن والجلال: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}[الأنعام: ١١٢]، فلما أرسل الله رسوله بالوحي البالغ والنور الساطع حجبهم عن علم شيء من أخبار السماء، لكيلا يسبقوا به ولا يفشوه إلى إخوانهم من كهنة أهل الدنيا، فقذفهم بما جعل لهم من النجوم شهباً رصداً فرماهم بالنجوم من السماء، ولم يكن قبل ذلك بشيء منها يرمى؛ فهيل لذلك أهل الأرض والشياطين في الهواء، فقالوا في ذلك كما أخبر الله به عنهم وحكى من قولهم: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا ٩ وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ١٠}[الجن]، فمن الملائكة علم إبليس أخبار آدم وذريته، ولو لم يعلم الله الملائكة بذلك لم يعلمه إبليس ولا هم، كما لم يعلموا ما كتمهم من أسماء الأشياء التي أعلمهم آدم بأسمائها في وقت ما علَّمه الله أسماءها وكتم الملائكة إياها، كما قال سبحانه: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ٣١ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ٣٢ قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ٣٣}[البقرة]، فأنبأهم حين أمره الله أن ينبئهم بأسمائهم ما كان قد غبي عنهم علمه من الأشياء، فعندما رأى إبليس اللعين الرجس من كرامة الله لآدم، وتعظيمه لقدره وإسجاده الملائكة من أجله، ولما أظهر فيه من عجائب تدبيره وصنعه حسده على ذلك غاية الحسد حتى أخرجه حسده لآدم إلى الكفر(١) بربه، وخالف فيما ترك من السجود عن
(١) في (ب، ج، هـ): إلى أن كفر.