[المسألة الثالثة: أكانت محبة الله ومشيئته في دخول آدم وزوجه الجنة أم في خروجهما عنها؟]
  فغوى(١) صلى الله عليه في الشجرة ناسياً، ولم يكن ذلك عن مباينة لله بالعصيان، ولا عن قلة معرفة بما يجب للرحمن، قال الله تبارك وتعالى: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ١١٥}[طه].
  فلما أن كان ذلك منهما أراد الله أن يهبطهما من الجنة التي كان قد كفاهما فيها لباسهما وقوتهما، فأخرجهما منها إلى غيرها من الأرض، وبدلهما بالراحة تعباً، وبالكفاية للمؤنة طلباً وحرثاً وزرعاً، فكانت إرادته في وقت إيجادهما الكفاية لهما، وفي وقت نسيانهما ما حكم به من إخراجهما وإهباطهما منها إلى غيرها، فالهبوط(٢) فهو القدوم من بلد إلى بلد، تقول العرب: هبطنا من بلد كذا وكذا إلى بلد كذا وكذا، وهبطنا عليك أرضك، وقال الله المتقدس الأعلى فيمن كان مع عبده ونبيه موسى ممن كان ينزل عليه المن والسلوى ويظلل بالغمام ويسقى زلال الماء فطلبوا وسألوا التبدل بذلك مما هو أقل وأدنى فقالوا: {يَامُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ}[البقرة: ٦١]، فقال: اهبطوا مصراً أي: اقدموا وانزلوا مصر تجدوا فيه ما سألتم من هذا(٣) الأدنى.
  فأراد سبحانه أن يسكنها آدم أولاً ويخرجه منها آخراً كما شاء أن يسكن ذريته الدنيا ثم يخرجهم منها إذا شاء إلى الآخرة، وكما شاء وأراد أن يصلي له نبيه ÷ إلى بيت المقدس ثم شاء أن ينقله عنه إلى ما هو أعظم فينقله إلى بيته الحرام المكرم، كما شاء سبحانه أن يفترض(٤) على أمة موسى من الفرائض
(١) في (ب، ج، هـ): فهوى.
(٢) في (ب، ج، هـ): والهبوط.
(٣) في (ب): هذه.
(٤) في (هـ): يفرض.