[المسألة الثالثة: أكانت محبة الله ومشيئته في دخول آدم وزوجه الجنة أم في خروجهما عنها؟]
  فهذه أحكام من الله وإرادات، أراد الله سبحانه أن يتصرف في المخلوقين على قدر ما يكون منهم من العملين، فقال جل وعز: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ١٥}[فصلت].
  وأما ما ذكر من العلم فإن(١) العلم لا يخلو من أن يكون الله العالم بنفسه ويكون(٢) العلم من صفاته في ذاته لا صفته لغيره، أو يكون العلم غيره، فمن قال: إن العلم غيره فقد جعل مع الله سواه ولو كان مع الله سواه لكان أحدهما قديماً والآخر محدثاً، فيجب على من قال بذلك أن يبين أيهما المحدِث لصاحبه، فإن قال: إن العلم أحدث الخالق كفر، وإن قال: إن الله أحدث العلم فقد زعم أن الله كان غير عالم حتى أحدث العلم، ومتى لم يكن العلم فضده لا شك ثابت وهو الجهل، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
  وإن رجع هذا القائل الضال إلى الحق من المقال فقال في الله بالصدق تبارك وتعالى ذو الجلال فقال: إنه العالم بنفسه الذي لم يزل ولا يزول، وإنه الواحد ذو الأفعال، وإنه لا علم ولا عالم سواه، وإنه الله الواحد العالم - وجب عليه من بعد ذلك أن يعلم أن كل ما نسبه إلى العلم فقد نسبه إلى الله، وسواء قال: أدخله العلم في شيء أو قال: أدخله الله فيه وحمله سبحانه عليه، فالله ø بريء من ظلم العباد، متقدس عن أفعالهم، فأفعالهم بائنة من فعله، وأفعاله بائنة من أفعالهم، لم يحل بين أحد وبين طاعته، ولم يدخل أحداً في معصيته.
  فعلم الله بما يكون من أفعال عباده فغير أعمالهم، ولم يضطرهم إلى عمل في حال من حالاتهم، فالعلم بهم محيط فهم متصرفون(٣) فيه، وينتقلون من معلوم
(١) في الأصول (وإن) وما أثبتناه من (و) وهو الصواب؛ لأنه لم يرد في كلام ابن الحنفية من العلم إلا قوله: «فقد أقروا لله بقدرته ونفاذ علمه» وعليه فيكون قوله: «وأن العلم» غير مستقيم والصواب: فإن العلم؛ من أجل أنه الجواب، والله أعلم.
(٢) في (هـ): فيكون.
(٣) في (ب، ج، هـ): يتصرفون. وكأنه الصواب.