مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[المسألة الثالثة: أكانت محبة الله ومشيئته في دخول آدم وزوجه الجنة أم في خروجهما عنها؟]

صفحة 342 - الجزء 1

  إلى معلوم بما ركب فيهم من الاستطاعة والقدرة، قد علم ممن عصاه أنه سيعصي وأن من تاب فقد علم أنه سيتوب وإن عاد فقد علم أنه سيعود، وليس علمه بأنه سيختار المعصية أدخله في العصيان؛ لأن ضده قد يكون من العبد وهو التوبة والإحسان فكيف يجوز على الواحد الرحمن أن ينقل من عباده أحداً من رضاه إلى سخطه إذاً لقد جبره على معصيته، ولو جبره عليها إذاً لما كان بد للعبد من الدخول فيها، ولو دخل العبد فيما أدخله ربه فيه لوجب له الثواب عليه، ولكان لله من المطيعين؛ إذ هو جارٍ على مشيئة رب العالمين، ولما كان في الأرض خلق عاص، ولكان الله عن كلهم راضياً، ولكان في القياس إبليس عند الله مرضياً؛ إذ هو يجب أن يدعو⁣(⁣١) إلى ما شاء الله لعباده ورضي، ولما ذمه في التكبر والعصيان؛ إذ الحامل له والمدخل له فيه الرحمن، ولما قال: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ}⁣[الأعراف: ١٢]، وهو يعلم أنه المانع له من السجود، فتبارك الله عن ذلك الواحد المعبود.

  ألا ترى كيف تبرأ من أفعالهم، ويأمر بالمجاهدة لهم على اليسير من أعمالهم، ولو كان المتولي لذلك فيهم لما عابه سبحانه منهم، ولما حض عباده على تغيير ما أحدث فيهم عليهم، ألا تسمع كيف يقول: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ٩}⁣[الحجرات]، فقال: {اقْتَتَلُوا} فألزمهم الفعل، وقال: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} فأوجب على غيرهم من المؤمنين نصر المظلومين على الظالمين، فلو كان على قول الجاهلين لكان قد ألزم المؤمنين قتال من لا يجب قتاله ومن تجب ولايته؛ إذ أجاب الله في دعوته، وجرى له في طاعته، وبغى على من أمره بالبغي عليه، ولو كان الله المحدث البغي في الفاعل له


(١) (يجب أن يدعو) بدلها في (ب، ج، هـ): يحب أبداً ويدعو. وفي (و): يحث ... إلخ. وكأنه الأصح.