مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[الجواب]

صفحة 346 - الجزء 1

[المسألة الخامسة: هل يستطيع الإنسان أن يجهل ما عرف؟]

  ثم أتبع المسألة عن المعرفة فقال: هل يستطيعون أن يجهلوا ما جعلهم الله به عارفين؟ أم لا يستطيعون؟

  فإن قالوا: لا، فقد انتفض قولهم عليهم. وإن قالوا: نعم فقل: هل يستطيعون أن يجهلوا معرفة الله، فلا يعرفون أنه خالق كل شيء، ومصور كل شيء؟ فإن قالوا: هذه الفطرة وليس يثاب أحد عليها فالخلق كلهم يعرفون أنه الله فقل: هل يستطيعون أن يجهلوا الليل والنهار والسماء والأرض والدنيا والآخرة والناس والخلق كلهم أن الله خلقهم كما شاء وكيف شاء⁣(⁣١)؟ فإن قالوا: نعم، فقد كذبوا، والناس كلهم شهود على كذبهم، وإن قالوا: لا، فقد تابعوك. تمت مسألته.

[الجواب]

  وأما ما سأل عنه فقال: هل يستطيعون أن يجهلوا ما يعرفون؟ أو يعرفوا ما يجهلون؟ فإن مسألته تخرج على ثلاثة معان، ونحن لها مفسرون، ولكلها إن شاء الله مميزون:

  فأولها: معرفة الخالق وهي فلن تدرك إلا بالعقل الصحيح، والقلب النضيج⁣(⁣٢)، قال الله سبحانه: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ ٢}⁣[الحشر]، وقال سبحانه: {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ٢٩}⁣[ص]، وقال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ٣٧}⁣[ق]، فإذا صح مركب اللب وثبت فهم القلب، ثم تدبر أمرَه جميع الخلق، وقصدوا في ذلك قصد الحق، تفرع لهم من الألباب وجودة فكرهم وإنصافهم لعقولهم ما يدلهم على معرفة خالقهم، وقدرة سيدهم ومالكهم ودلهم ذلك على أن لما يرون من خلق أنفسهم واختلاف الليل والنهار وتصريف الرياح وغير ذلك من الأشياء خالقاً، ليس


(١) (وكيف شاء) ساقط من (ب، هـ).

(٢) في المعجم الوسيط: فلان نضيج الرأي: محكمه.