مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[المسألة الخامسة: هل يستطيع الإنسان أن يجهل ما عرف؟]

صفحة 349 - الجزء 1

  جزاء⁣(⁣١) من الرشاء⁣(⁣٢) عظيماً حين سلامة لبه، على أن يكشف له ثوباً أو يبدي من نفسه عيوباً لم يكن ليفعل، وإذا شرب وسكر لم يعلم له بسواية، وجاءت وظهرت منه في نفسه⁣(⁣٣)، ولها الفضيحة والنكاية، فهل ذلك إلا من جهله بما كان يعلم؟ وقلة معرفته في تلك الحال بما كان يعمل؟ أَوَما رأى من علم علماً وروى رواية وحِكَماً من علماء⁣(⁣٤) وحكماء، بل من أحكم القرآن وتلا عن ظهر قلبه الفرقان، ثم ترك قراءته دهراً فجهل ونسي ما علم منه طراً؟ أوما رأى من كان دهره جاهلاً وعن كل خير وعلم غافلاً، ثم انتبه لنفسه، وأنف من جهله فتعلم فعلم ونظر ففهم.

  وكل ما ذكرنا - والحمد لله - فنقض لكل ما عنه سأل، وظن بذلك أنه قد أحال⁣(⁣٥) في الكلام كل محال، ولم يعلم أنه في قوله قد أحال وأخطأ في كل ما عنه سأل وتعسف في مدلهمات ظلم المقال، وكشفنا⁣(⁣٦) عنه وعن غيره من الخلق ممن يريد ويقصد الحق طخياء ديجور جهله، وبينا له ما التبس عليه من أمره حين أقدم بالقول فقال: هل يقدر إنسان أو قدر قط ذو بيان على أن يجهل ما علم أو يعلم ما جهل في حالة من الحالات أو وقت من الأوقات، وزعم أن أحداً لا يدخله في ذلك أبداً ارتياب، ولا يجهله بسبب⁣(⁣٧) من الأسباب، وقد وجدنا ذلك بخلاف قوله، وعلمنا أن فعل ربه بخلاف فعله، لا ما نسب هو إلى ربه وقلده سبحانه ما ليس من صنعه، فعلمنا أن الإبصار إلى ظلام الليل وإشراق النهار من


(١) في (ج، هـ): جزءاً.

(٢) في (ب، ج، هـ): الدنيا.

(٣) (وجاءت وظهرت منه في نفسه) بدلها في (ب، ج، هـ): وخان في نفسه.

(٤) في (ب، ج، هـ، و): من علم علماء.

(٥) في (ب، ج، هـ): حال.

(٦) في (ب، ج، هـ): فكشفنا.

(٧) في (ب، ج، هـ): لسبب. وفي (و): بسبب.