مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[المسألة السادسة: من أنطق الناس ومن خلق الكلام؟]

صفحة 352 - الجزء 1

  لهم سبب القول فيه ونسبه إليهم ولم ينسبه إليه، وجعل⁣(⁣١) - عن أن يحويه قول أو يناله - عن افترائهم عليه، ولو كان الكلام من فعله، وكان الناطق به على ألسنتهم، لكان هو القائل في نفسه ما أنكره عليهم، من ذلك قول فرعون: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ٢٤}⁣[النازعات]، وقول الكافرين لكتاب رب العالمين: {أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ٢٤}⁣[النحل]، و {هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ ١١}⁣[الأحقاف]، ومن ذلك ما قالوا للأنبياء المطهرين صلوات الله وبركاته عليهم أجمعين، وما رموهم به من السحر والجنون، قال الله تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ٥٢ أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ٥٣}⁣[الذاريات]، أفترى الجاهل المفتري الظالم لنفسه الغوي يقول: إن الله سبحانه كذب أنبياءه ورماهم بما قال الكافرون من السحر والجنون فيهم، وحمل الكافرين على أن يسيئوا بهم الظنون وينسبوا إليهم الكذب والسحر والجنون؟ بل كيف ينطقهم بالتكذيب لهم والافتراء عليهم، وهو يأمرهم بالطاعة لهم ويعطيهم الجنان على الإيمان بهم؟ فقال سبحانه: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ٢١}⁣[الحديد]، وقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ١٩}⁣[الحديد]، كذب القائلون على الله بذلك، ووقعوا عنده في المهالك، فسبحان الرؤوف الرحيم العدل الجواد الكريم.

  وأما ما سأل عنه مما التبس عليه وتحير فيه لقلة العلم بالله فيه⁣(⁣٢)، من قوله سبحانه: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٢١}⁣[فصلت]، فتوهم أن معنى: {أَنْطَقَنَا


(١) في (ج، هـ): وجعله. ولعله الصواب.

(٢) (فيه) ساقط من (ب).