مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[الجواب]

صفحة 354 - الجزء 1

  عن القضاء بالفساد، كما قال في نفسه ذو الأياد: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ٢٨}⁣[الأعراف]، ثم نقول: إن بين أفعال الله وأفعال خلقه فرقاً بيناً، وإنه واضح في الخلق عند من أراد معاني الحق، فأفعال الله متتابعات متلاحقات في كل شأن، وأفعال المخلوقين ذوي العجز المربوبين فغير متلاحقات، بل هن عن التلاحق عاجزات، وآخر أفعال الله بأولهن لاحق، وأولهن لآخرهن غير سابق، فأفعال الخالق موجودات معلومات، ثابتات متجسمات، وأفعال الخلق فزائلات غير موجودات، بل هن في كل الحالات معدومات، وفي ذلك والحمد لله من البيان ما فرَّق عند ذوي العلم والإتقان بين أفعال الخالق ذي البقاء والجلال، وبين أفعال الخلق ذوي الفناء والزوال.

  ألا ترى وتسمع كيف أكذب الله من نسب أفعال العباد إلى ربه؟ فأكذبه سبحانه ونفاها عن نفسه حين يقول: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ٢٨}⁣[الأعراف]، وقال: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ ٦٠}⁣[الزمر]، أفظن من جهل وعمي أن الله فعل كذبهم عليه ثم رماهم به وقال إنهم قالوه فيه؟ فمن - يا ويحه - إذاً الكذوب المبطل، الظالم المتعدي، الغشوم المدغل؟! من قال وفعل؟ أم من لم يقل ولم يفعل؟ أما سمع الحسن بن محمد قول الجليل وما حكى في أوضح التنزيل عمن ظلم وجار وأساء، وفعل فعلاً ثم رمى به إلهه واعتدى من قصي بن كلاب ومن به اقتدى، ممن سلك مسلكه وتبعه وشرع في ذلك مشرعه، فسنّ لقريش سنة اتبعتها⁣(⁣١) واقتدى جميع العرب بها، فبحّر⁣(⁣٢) لهم البحائر، وسيّب


(١) في (ج، هـ): اتبعها.

(٢) قال الإمام الهادي # في الأحكام: والبحيرة التي كانوا جعلوها فهي الناقة من الابل كانت إذا ولدت خمسة أبطن فنتجت الخامس سقبا وهو الذكر ذبحوه فأهدوه للذين يقومون على آلهتهم وإن كانت أنثى أستبقوها وغذوها وشرموا أذنها وسموها بحيرة ثم لا يجوز لهم بعد ذلك =