مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[المسألة الثامنة: هل الأعمال شيء أم أنها ليست شيئا]

صفحة 361 - الجزء 1

  فنحن بحمد الله نقول وعليه منا المعمول: إن خالق كل شيء عامله، وعامله ففاعله، قال سبحانه: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ١٤}⁣[المؤمنون]، فسمى العاملين خالقين، وقال شاعر من فصحاء⁣(⁣١) العرب:

  ولأنت تفري ما خلقت وبعـ ... ـض القوم يخلق ثم لا يفري

  يريد: أنك⁣(⁣٢) تتم ما دخلت فيه وصنعته، وتكمل كل ما قمت به وعلمته، وغيرك لا يصدر إذا أورد وأنت تصدر حين تورد.

  وقد يُرى من يفسد ويسرق ويكذب ويفسق، فهل يقول الحسن بن محمد في ذي الجلال خالقه إنه المتولي لذلك الفعل دون فاعله؟ فيكون قد قال بخلاف قول الله، ورد في ذلك كله على الله حين يقول: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ ٦٣ ءَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ٦٤}⁣[الواقعة]، فميز بين الحرث والزرع، فجعل شق الأرض وحرثها وتسويتها وبذرها لهم فعلاً، [وجعل إخراجه وفلق حبه وزرعه وتقويته له فعلاً⁣(⁣٣)]، فقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى}⁣[الأنعام: ٩٥]، وكذلك تقول العرب للغلام إذا أرادت له الخير والإكرام: زرعك الله زرعاً حسناً، تريد: بلغك وأنبتك نباتاً حسناً، قال الله سبحانه: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا}⁣[آل عمران: ٣٧]، يريد: أنشأها وكبرها وغذاها فأحسن بأرزاقه غذاءها.

  وقد يكون من هذه الأشياء التي هي أفعال - الزنا وشرب الخمر وارتكاب الرذائل⁣(⁣٤)، فماذا يقول الجاهلون في هذه الأشياء؟ مَنْ فَعَلَها عندهم؟ الخالق أم المخلوق؟ ومن أظهرها وأوجدها الرب أم المربوب؟ فتقدس وتعالى ذو الجلال عما يقول المبطلون.


(١) في (هـ): شعراء.

(٢) في (ب، ج، هـ): أنت.

(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).

(٤) في (ب، ج، هـ، و): الرداء.