مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[الجواب]

صفحة 364 - الجزء 1

  خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ١١}⁣[المنافقون]. تمت مسألته.

[الجواب]

  وسأل عن الآجال، فقال: هل يستطيع أحد أن ينقص منها أو يتعدى فيقطع ويتلف بعضها؟ وزعم أن ذلك لا يكون أبداً ولا يقدر عليه أحد أصلاً، ولا ينال أحد على أحد تعدياً.

  فقول أهل الحق أجمعين والله سبحانه على ذلك المعين: أن الله وقّت لعباده آجالاً وضرب لهم في أمورهم أمثالاً، وجعل فيهم قدرة على أن يقتل بعضهم بعضاً، فمن شاء خاف ربه في كل حال واتقى، ومن شاء كفر وظلم وأساء، وجار في فعله وخالف واعتدى. ألا تسمع كيف يقول رب العالمين لجميع من أمره من المأمورين: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}⁣[الإسراء: ٣٣]، فنهاهم عن قتل النفس؛ إذ علم أنهم عليه مقتدرون، وفي ذلك - ولله الحمد - مطلقون وله مطيقون، ولو لم يعلم أنهم كذلك ولا أنهم يقدرون على شيء من ذلك لما نهاهم عنه ولا حذرهم منه؛ لأن نهي الإنسان عن الطيران مستحيل في اللغة واللسان، وعند كل من عرف البيان.

  ولقد فرق الله بين فعل عباده في ذلك وبين فعله، وبين سبحانه لهم كل أمرهم من أمره، فقال سبحانه: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ١٩}⁣[ق]، فأخبر أن سكرة الموت، وورود ما ينتظر من الفوت، من الله لا من الخلق، فصدق الله إن الموت يأتي بالحق، وينزل بما وعد من الصدق، فسمى ما كان منه حقاً وحكماً، وما كان من عباده الظلمة عدواناً وظلماً، ولو كانا من الله شرعاً سواء، لذكر الله أنهما منه جميعاً حقاً.

  وقال : {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ١٥٧}⁣[آل عمران]، ففرق بين القتل والموت، فكان القتل من عباده فعلاً، والموت منه ø حتماً.