[المسألة العاشرة: هل الأرزاق مقسومة من عند الله؟]
  ألا تسمعون كيف يقول الله ذو الجلال وذو القوة والقدرة والمحال حين يقول: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ٩٧}[آل عمران]، والسبيل: فهو الْجِدَة مع صحة الأبدان من مانعات حوادث الأزمان، فعند المقدرة والسلامة والأمان يجب فرض الحج على كل إنسان، وهذا في أصل قولكم وما تذكرونه من رأيكم بما قد حوى وأخذ من المال الحرام مستطيع لحج بيت الله الحرام، قادر على ذلك بما أخذ من أخيه وأخرجه بالغصب والغلبة له من يديه؛ إذ تزعمون أن كل ما أخذ وأكل وشرب ولبس فهو رزق مقسوم، ومن الله ﷻ عطاء لعباده معلوم.
  وقال الله سبحانه: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}[البقرة: ٤٣]، فلا يشك(١) أن الزكاة تجب فيما رزق الله العبيد من رزق إذا بلغ ما تجب فيه الزكاة وتقع، فليتصدق وليقرض الله قرضاً حسناً مما في يديه، فإن الله يقول: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ ١٨}[الحديد]، ولن يقبل الله إلا الحلال، ولن يضاعف إلا لمن أنفق مما ملك من الأموال، فإن كان هذا له من الله عطاء فأمروه فلينفذ ما أمره الله به، وليؤد ما عليه فيه، وأنهروا(٢) عنه الْمُطَالِب له به، الذي أخذه غصباً من يديه، واستأثر به عليه.
  وإن قلتم: لا يجب عليه فيما في يديه من هذا المال المغصوب حق، ولا يلزمه فرض، وأوجبتم على أنفسكم أخذه من يديه ورده على صاحبه، وقلتم: لا يكون إلا ذلك، والحق كذلك(٣) - فقد أزلتم عنه ملك ما غصب، وحرمتم عليه منه ما أكل، وأقررتم أن ما أخذ من ذلك فأكله وشربه ليس له من الله رزقاً ولا نائلاً ولا عطاء، وأن عليكم أن تأخذوا ما في يديه من المال فتردوه إلى من كان له من
(١) في (هـ): شك.
(٢) في (ب، ج، هـ، و): وازجروا.
(٣) في (ب، ج، هـ): فكذلك. ولعله الصواب.