[المسألة العاشرة: هل الأرزاق مقسومة من عند الله؟]
  الرجال، وتضمِّنوه ما أتلف منه، وتوجبوا عليه إن كان أخذه من دار أو بيت أو حرز أو قرار ما أوجب عليه الواحد الجبار من القطع، فإنه يقول سبحانه: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}[المائدة: ٣٨]، فيا سبحان الله ما أبين الحق وأنور الصدق! فلو كان الله رزقه ما أكل مما سرق وغصب - لما أوجب عليه أن يقطع الحاكم يده في أن أخذ ما أعطاه ربه وآتاه، وأكل ما به غذاه، فسبحان البعيد من ذلك، الصادق في قوله، العدل في جميع أموره وفعله.
  فإن هم من بعد ذلك سألونا فقالوا: هل يقدر أحد أن يأكل غير ما رزقه الله؟ قيل لهم: إن مسألتكم هذه تخرَّج على معنيين، وتنصرف في وجهين:
  فإن أردتم أن كل شيء مما بث الله وأخرج رزق العباد فكذلك لعمري هو؛ لأن الله قد سماه في الجملة بذلك فقال: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ٩ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ ١٠ رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ ١١}[ق]، يقول سبحانه: أخرجنا [به مما لا](١) يخرج من الحب والأكل إلا بالماء.
  وقال: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ ٦٣ ءَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ٦٤}[الواقعة]، وقال: {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ٢٥ ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا ٢٦ فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا ٢٧ وَعِنَبًا وَقَضْبًا ٢٨ وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا ٢٩ وَحَدَائِقَ غُلْبًا ٣٠ وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ٣١ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ٣٢}[عبس]، فقال: {شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا ٢٦} يريد: شققناها عن النبات الذي يخرج منها من الحب والفواكه وغيره، وفلقناها فلقاً. والأبّ: فهو الحشيش والعشب الذي تأكله الأنعام، وينبت في الأودية والجبال والآكام(٢)، {مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ٣٢} يقول: بلاغاً لكم ولأنعامكم إلى وقت انقضاء آجالها وآجالكم، فرزقناكم فواكه وحباً، ورزقنا أنعامكم
(١) في (ب، ج، هـ): ما.
(٢) الآكام: قال في المعجم الوسيط: الأكمة: التلّ. والجمع: أَكَمٌ، وإكام، وآكام.