مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[المسألة الحادية عشرة: تقسيم العقول بين الخلق]

صفحة 381 - الجزء 1

  بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ٥}⁣[الجاثية]، فقال سبحانه في أول السورة: {لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ ٣} يقول: يصدقون بما يرون، وينصفون العقل⁣(⁣١)، فيقبلون منه ما عليه يدلهم حين يبصرون ويستبصرون في الحق، ويستدلون على الله بما ذرأ من الخلق فيكونون بذلك مؤمنين ولله بالخلق⁣(⁣٢) والقدرة مقرين، ثم قال: {لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ٤}، فأخبر أنه قد ذرأ وجعل لهم من الدلالة عليه في خلق أنفسهم ما بأقل قليله على خالقهم يستدلون، وبأنه الله الذي لا إله إلا هو يوقنون.

  ثم كرر الدلالة لهم والاحتجاج عليهم بذكر ما أنزل من السماء من رزق فأحيا لهم به الزروع، وفرع به في الأصول الفروع، ثم كرر الاحتجاج والتوقيف لهم والتعريف فذكر تصريف الرياح، وما يكون فيها وبها من الألقاح، فقال: {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ٥}، فتتابعت الآيات متناسقات بما فيهن من العبر والدلالات، حتى وصل إلى «قوم يعقلون» فأخبر بذلك أن كل ما ذكر لا يعلم ولا يخبر ولا يفهم إلا بما ركب وجعل لهم فيه من حجة العقل فقال سبحانه احتجاجاً عليهم، وتنبيهاً في ذلك كله لهم، بما خلق لهم من الأبصار التي لا ينتفع بها في التذكرة إلا بالألباب، وحثاً على استعمال الألباب في كل الأسباب: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ٦ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ٧ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ٨}⁣[ق]، يقول: توقيفاً لهم وتعريفاً واحتجاجاً على ذوي العقول، وقال: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ ٢}⁣[الحشر]، فحض⁣(⁣٣) بالأمر بالاعتبار ذوي الأبصار.


(١) في (ب، ج، هـ، و): المعقول.

(٢) في (ب، هـ): بالحق.

(٣) في (هـ): فخص.