[المسألة الحادية عشرة: تقسيم العقول بين الخلق]
  وقال سبحانه: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ٢٤}[محمد]، فنظر قوم وفكروا، وعقولهم في ذلك أنصفوا، فأبصروا واهتدوا وعرفوا الحق فرشدوا، وأنكر قوم وخالفوا ما تفرع لهم من المعقول فجحدوا فعاقبهم الله على ذلك من فعلهم، وأضلوا أنفسهم بمكابرة عقولهم وأبطلوا النظر واتبعوا الجبر(١) فاتبعوا الهوى، وتركوا الهدى، وتعلقوا بالأخبار المنقولة الكاذبة، ورفضوا ما فيهم من حجة الله الصادقة، فبذلك عندوا، وأنفسهم بالتجبر(٢) منهم أهلكوا، فليس للعباد على الخالق من حجة يحتجون بها، ولا متعلق ولا طلبة في ذلك يطلبونها، بصرهم وهداهم، وركب فيهم ما كفاهم، وبعث إليهم المرسلين مبشرين لهم ومنذرين، فأمروهم ونهوهم، وعذابه حذروهم وإلى ثوابه دعوهم، وأروهم عجائب الآيات واحتجوا عليهم بالدلالات، {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ٤٢}[الأنفال].
  فهذا قولنا في ربنا، وشرحنا لما احتج به سبحانه علينا.
  فإن قالوا وبما ندفعه(٣) إن شاء الله بحقنا تعلقوا: ألستم تزعمون وبغير شك تقولون: إن الله قسم العقول بين خلقه وجعلها له حجة فيهم، نعمة أنعم بها عليهم، وأيادي أكملها لديهم، ثم تقولون: إنه افترض عليهم فروضاً فجعلها عليهم كلهم شرعاً سواء، إن أدوها أثيبوا وإن تركوها عوقبوا؟ ثم تقولون ونقول: إن ذلك لا ينال إلا بالعقول، وقد نرى اختلاف العقول في الناس أجمعين، فنعلم أنهم فيها متفاضلون، وأن ليس هم فيها على القسمة متساوين، فأين ما تحوطون من عدل رب العالمين، وقد ساوى بين عباده فيما افترض عليهم، وجعل ذلك سبحانه سواء فيهم، ثم فضل بعضهم على بعض فيما لا ينال أداء ما فرض من الطاعات، ولا يوصل إلى تمييز شيء من شيء إلا به من
(١) في (ج، هـ): الخبر.
(٢) في (ج، هـ): بالتحيُّر - من الحيرة.
(٣) في (ب، ج، هـ، و): ندمغه.