مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[المسألة الحادية عشرة: تقسيم العقول بين الخلق]

صفحة 383 - الجزء 1

  الآلات، من العقل الرصين والفهم المبين؟

  قلنا لهم: قد سألتم فاسمعوا ما به أُجبتُم، فكذلك بالعدل على الله نقول، وفي كل أمرنا فبه سبحانه نحول، وسنبين لكم إن شاء الله الجواب، ونشرح لكل ما تتكمهون فيه من الارتياب، ونختصر ذلك لكم بما يقر في أفهامكم ويثبت، إن كنتم للحق طالبين مريدين في ألبابكم.

  فنقول: إن الله تبارك وتعالى افترض على خلقه فروضاً، وأوجب عليهم سبحانه أموراً، ثم أعطاهم ما بأقل قليله ينال أداء ذلك من الآلات، ويقتدر على أدائه متى قصد من الساعات، فجعل في أقلهم عقلاً من العقل ما ينال بأقل قليله تمييز ما أوجب الله عليه تمييزه، والإحاطة بما أوجب عليه الإحاطة به من معرفته، والإقرار بوحدانيته، والأداء لكل فرائضه⁣(⁣١)، فساوى بين عباده فيما إليه يحتاجون، وله في فرائضه يستعملون، ثم زاد بعد أن ساوى بينهم في الحجة من شاء فضاعف له⁣(⁣٢) العطاء والكرامة وزاده في العقل والسلامة، كما زاد بعضهم بسطة في العلم والجسم، فليس لأحد على الله في ذلك حجة؛ إذ قد أنالهم من ذلك أكثر من البغية؛ لئلا يكون للمخلوقين عليه حجة فيما فضل به بعضهم على بعض من الجلد والطول والجمال، والهيئة والكمال، والبياض والفصاحة، فكل ما أدخلتم علينا فيما فضل الله به بعض الخلق من العقول فواجب عليكم لنا أن تجيبونا به فيما بين البياض والسواد والقصر والطول حذو المثال بالمثال ليس لكم - والحمد لله - عنه تحرف ولا انتقال إلا بأن ترجعوا إلى الصدق، فقد بان لكم - والحمد لله - الحق، فاتقوا إملاء الشيطان وتسويله وإغوائه وتخييله، ولا تكونوا من الذين قال الله فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ٢٥}⁣[محمد].

  وسنضرب لكم بقوة الله وحوله في ذلك مثلاً يبين لكم أموركم ويخامر نور حقه


(١) في (ب، هـ): فريضة.

(٢) في (ج، هـ) لهم.