[المسألة الحادية عشرة: تقسيم العقول بين الخلق]
  ضميركم وصدوركم، أرأيتم رجلاً له بيتان من حشيش، وله غلامان، فدفع إلى أحد غلاميه شمعة واحدة متوقدة، ودفع إلى آخر ثلاث شمعات ثم قال لهما: ليحرق كل واحد بما معه ما في أحد هذين البيتين من الحشيش، فهل ترون لصاحب الشمعة الواحدة المتوقدة الملتهبة على مولاه حجة في أن أعطى صاحبه ثلاثاً وأعطاه واحدة، فيقول: لا والله ما أقدر أن أحرق بيتاً من حشيش بهذه الشمعة الواحدة، فأعطني ثلاثاً مثل صاحبي، وإلا فلا حيلة لي في إحراقه؟!
  وقد يعلم كل ذي عقل سوي من رشيد أو غوي أن الذي يكفي هذا الحشيش من هذه الشمعة لفحة واحدة، وأنه ومن معه ثلاث شمعات وعشر واحد في القدرة على إحراق ما أمر بإحراقه، وإنفاذ أمر سيده فيه، فهل تقولون لسيده: كلفته وصاحبه إحراق بيتين من حشيش متساويين ثم كلفته إحراقه بشمعة واحدة، وكلفت صاحبه إحراق بيته بثلاث فأعطه ثلاثاً، وإلا فقد كلفته ما لا يناله بهذه الواحدة ولا يطيقه، فأنت له في ذلك ظالم، وعليه بفعلك هذا متحامل؟ أم تقولون للعبد: أنت مخطئ في فعلك، جاهل في قولك، فأنت تنال بهذه الشمعة من حشيشك مثل ما ينال صاحبك بشمعاته في حشيشه، والأمر في قليل النار وكثيرها عند تأججها والتهابها سواء، لا حجة لك على مولاك فيما كلفك وأعطاك.
  فكذلك - والحمد لله - الأمر فيما أعطى الله العباد من حجته فيما فضل به من شاء من بعد ذلك من خليقته، فأما من سلب عقله من المجانين والأطفال، فلم يوجب الله عليهم الأعمال بل أزاح عنهم ذلك ولم يوجبه عليهم، وحالهم في وقتهم ذلك عند الله فحال لا يسألهم فيها عما افترض من الأعمال حتى يفيقوا، ومما هم فيه يخرجوا، ويبلغ الأطفال من الفهم ما يصح لهم به التمييز، ويخرجوا من حال الطفولية والصغر، إلى حال القوة والكبر، وفي ذلك ما قال الرسول ÷: «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يعقل». والحمد لله العدل في فعله الرحيم بخلقه، الذي كلف يسيراً، وأعطى عليه كثيراً.
  تم جواب مسألته.