[المسألة الثانية عشرة: نفوذ إرادة الله]
  وأما المعنى الآخر: فهو الإرادة التي معها تمكين وهو قوله سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[الإسراء: ٢٣]، فكان قضاؤه في ذلك سبحانه ما أمر به من أن لا نعبد معه غيره، وما أمر به من البر والإحسان إلى الوالدين، فأراد الله سبحانه من العباد أن يطيعوه ويعملوا له بما ركب فيهم وأحسن به إليهم من الاستطاعات، وما أعطاهم من الآلات بالاختيار منهم لطاعته، والإيثار [منهم](١) لمرضاته؛ ليثيبهم على فعلهم ويعاقبهم على تركهم، ولو أراد منهم الطاعة جبراً وصرفهم عن المعصية قسراً لكان كلهم جارياً في طاعته تابعاً لمرضاته، ولم يكن المذنب الشاسع أولى بالعقوبة من المهتدي الطائع، ولم يكن العامل بالطاعة أحق بالثواب(٢) من عامل المعصية؛ إذ كانا كلاهما أدخلا في عملهما إدخالاً، واستعملا في إرادة الله استعمالاً، فتبارك الله عن ظلم العباد وتقدس عن القضاء بالفساد، الذي لم يُطَع كرهاً، ولم يُعْصَ مغلوباً، بل أمر ونهى، وحذر وهدى، وعرّف النجدين، وبيَّن العملين، ثم أعطى كل شيء خلقه، وأعد للمطيعين الثواب وللعاصين العقاب، ثم قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ١٠٢}[آل عمران]، وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ١٣٦}[النساء]، فأمرهم سبحانه بالإيمان وحضهم على التقى والإحسان، ونهاهم عن الكفر والطغيان، وعن جميع ما لم يُرِد من العصيان، فقال سبحانه: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ٣٢}[الإسراء]، وقال: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}[الإسراء: ٣٣]، ومثل هذا في القرآن كثير، وقال: {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا}[آل عمران: ١٣٠]، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا ...} الآية [النساء: ١٠]،
(١) (منهم) سقط من (ج، هـ).
(٢) في (ب، ج، هـ): بأهل بالثواب.