[المسألة الثانية عشرة: نفوذ إرادة الله]
  ولله الحمد بأبين البيان، فأمرهم بما أراد من طاعته، ونهاهم سبحانه عن معصيته.
  ثم قال سبحانه من بعد أن أعطاهم من الاستطاعة ما أعطاهم ثم أمرهم ونهاهم فقال: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ٧ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ٨}[الزلزلة]، وقال: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ١٢٣}[النساء]، ثم قال سبحانه: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ٨٨ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ٨٩ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ٩٠ فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ٩١ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ ٩٢ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ ٩٣ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ٩٤ إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ ٩٥}[الواقعة]، ثم قال من بعد إكمال الحجة عليهم وإثباتها فيهم: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ٢٩}[الكهف].
  أفلا ترى كيف فرّق بين ما كان منه فعلاً، وبين ما أمر به العباد أمراً، فلم يقل فيما حتم به عليهم حتماً وما كان(١) منه عليهم قضاء وحكماً من الموت ولا من الخلق - موتوا ولا لا تموتوا، ولا اخلقوا ولا لا تخلقوا، ولم يقل فيما أراده منهم فعلاً بتخيير واختيار لعظيم المنة والاختبار: كل من قضينا عليه المعاصي عاص، كما قال: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ٢٦}[الرحمن]، ولم يقل: أمرنا وقضينا عليه بالعصيان كما قال: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ ٤٣}[ق]، بل أخبر أنه من ذلك بريء فقال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ٢٨}[الأعراف]، فتبارك الله الواحد الأعلى الذي إذا أراد أن يفعل شيئاً كان بلا كلفة ولا إضمار ولا تفكر ولا اضطراب، إذا أراده أوجده، وإذا أوجده فقد أراده، فقضاؤه كائن، وفعله من أفعال العباد بائن، ليس له مثل ينال، ولا شبه
(١) في (ب، ج، هـ): وكان.