مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

مقدمة الإمام الحجة مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي #

صفحة 38 - الجزء 1

  على هذا النهج، ما ذاك إلا لإرادة الله ø إظهار الحق على ألسنتهم وأيديهم، حجة عليهم وإن راموا إنكارها. انتهى.

  قلت: فقد صار الأمر في حالهم ما قصه الله تعالى من أمثال قوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ}⁣[النمل: ١٤]، وأصل كل ضلالة وفتنة، ومنبع كل فرقة ومحنة، في هذه الأمة والأمم السالفة، اتِّباع الأهواء، والإخلاد إلى الدنيا.

  وقد علم كل ذي علم وفهم، وفَهِمَ كل ذي فهْم، ما جرى لأهل بيت النبوة في هذه الأمة، وما فعله الطغاة مع العترة المطهرة، وما ساعدهم به علماء السوء، وفقهاء الضلال، من اتباع أهوائهم على كل حال، ورفض أهل بيت نبيهم، وطرح ما يدينون به من دين ربهم، حتى غيروا معالم دين الله، وافتروا على الله ورسوله ÷؛ لترويج ما يهوونه من الصد عن سبيل الله في الأفعال والأقوال، كل ذلك معارضة للآل، ومخالفة لما أمرهم به في شأنهم ذو الجلال.

  وقد قصدوا استئصال السلالة النبوية، وإبادة الذرية العلوية، وإزالتهم عن وجه البسيطة بالكلية، وأبلغوا مجهودهم في طمِّ منارهم، وطمْس أنوارهم، فأبى الله تعالى لهم ذلك، وغلبهم على ما هنالك، كيف وهم قرناء الكتاب، والحجة على ذوي الألباب، والسفينة المنجية من العذاب، والثقل الأصغر الذين خلّفهم الرسول مع الثقل الأكبر في الأرض، ولن يفترقا إلى يوم العرض، {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}⁣[التوبة: ٣٢].

  وتهافت في أثرهم الأتباع من العوام، والهمج الرعاع من الطغام، أتباع كل ناعق، وسيقة كل سائق، وركضوا في ميادين الدول، كما وصفهم الله ø: {إن هُمْ إلا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ}⁣[الفرقان: ٤٤]، وهم الجم الغفير، والجمع الكثير، {وإن تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}⁣[الأنعام: ١١٦]، {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}⁣[يوسف: ١٠٣]، فعظمت الفتنة، واشتدت المحنة، وتمت الفرقة المنهي عنها في الكتاب المبين، وعلى لسان الرسول الأمين.

  هذا، واعلم أن الله قال: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلا الضَّلالُ فَأَنَّى